ملخص مجلس ليلة تاسع محرم 1439هـ – الخطيب الشيخ حامد عاشور

مفردات كربلائية – المبارزة

قوانين العرب في الحروب قديما تختلف اختلافا في كثيرا من الجزئيات من قوانين العصر الحديث
فعادةً كما يذكر المؤرخون أنه يلتقي الجيشان وجها إلى وجه ويقال للجيش خميس.

ولذلك كانت العرب إذا أرادت أن تطلق لفظة على إنسان تعكس معنى قوته يقال له خميس.

لماذا سمي الجيش بالخميس؟!

قالوا لأن الجيش يقسم إلى خمسة:

الميمنة والميسرة والقلب ومقدمة الجيش وخلفه. ويقال للميمنة والميسرة “جناحين”.

فيلتقي الجيشان وجها لوجه (وعندما يلتقي الجيشان تقرع الطبول إشارة إلى بدأ المعركة وكذلك تقرع الطبول عند انتهاء المعركة).

قائد الجيش يأتي أو من ينوب عنه فيكون في الميدان وهي ساحة القتل (المساحة التي بين الجيشين تقال لها ميدان) ويلقي خطابا يكون الغرض منه أموراً عدة:

يستغل في الخطاب (الخطبة) الإعلام والحرب النفسية للجيش المقابل وشحذ النفوس والهمم لمن خلفه ويعود!

بعد ذلك إما أن تلقى خطبة من قبل الطرف الثاني أو يأتي حينها أصحاب الألوية.

القائد العسكري يحمل رتبة تؤهله بأن يكون صاحب لواء ومن علامات الانهزام هو سقوط الألوية.

عندها يأتون أبطالا فيتقدم أحدهم بين الصفين ويعرف بنفسه ويرتجز حينها ويطلب المبارزة.

المبارزة هي التقاء رجل مع رجل ويعيب العرب آنذاك إذا ما تدخل أحد الطرفين في إنهاء المبارزة.

وقد تحسب المعركة بمبارزة واحدة كحرب الخندق مثلا بين الإمام علي عليه السلام وعمرو بن ود.

في المبارزة حينما يغلب الرجل الطرف الآخر يأتي القائد ويعلن اصطكاك الأسنة وتتداخل الجيوش مع بعضها البعض.

في كربلاء هناك مبارزة وهناك اصطكاك أسنة ومن خلال ما ذكرناه نستكشف أن هناك فرق بينهما.

المبارزة عادة تكون لمن توفرت فيه ثلاثة شروط:

1- الخبرة العسكرية.

2- أن يكون له مبدأ (يعبرون عنهم بالفدائيين): وهو أن يضحي بنفسه (فالمبارز إما أن يكون قاتلا أو مقتولا).

العربي لديه مبدأ وهو أنه إذا نزل في المعركة إما أن يكون في عيشه بطلا أو أنه يرى نفسه لا يستحق أن يعيش!

3- أن يكون ذو فروسية ومهارة في استعمال الخيل.

أغلب أصحاب الإمام الحسين (ع) قاتلوا مبارزةً.

هناك أرقاما تمت المبالغة فيها فيما يتعلق بقضية الإمام الحسين عليه السلام ونقول هنا:

أولاً: أن المسألة ليس بالكم

وثانياً: طريقة القتل.

إذا رجع الجيش فإن هناك أناسا يكونون موجودين لا يقاتلون وإنما يحصون عدد القتلى !

وحينما يعودون يسألونهم هل قتلتموهم مبارزة أم باصطكاك الأسنة؟!

إذا قالوا باصطكاك الأسنة فهو قليل وإن قالوا مبارزة فهي تعجب !

العرب دائما ما تعطي البطل تقديرا لتعداده وتعداد قوته فإذا قالوا قتل عشرة مبارزة فهذا الرقم يعتبر ضخما.

حمزة بن عبدالمطلب قتل مقتلة عظيمة (أجمع المؤرخون أنه قتل سبعة أو تسعة).

وهذا العدد ليس بقليل.

أصحاب الحسين قاتلوا في كربلاء مبارزة (وعندما نقول أن عدد من قتلوهم لا يتجاوز مائتين فهذا لا يعني أنهم ضعاف ولا يعني أنهم قلة).

بل تعال وانظر إلى من قتلوا وانظر إلى هذا الذي قتل يعد بكم !هذه هي المسألة (الكيف وليس الكم).

أكثر من بارز من أصحاب الإمام الحسين عليه السلام قد قتلوا غدرا.

أصحاب الحسين قد قتلوا على نحوين:

النحو الأول: جلهم في الصلاة وقد وقع كثيرا منهم.

النحو الثاني: بالمبارزة وجلهم قد قتلوا غدرا وهذا يعكس بأنه لم يكن لجيش عمر بن سعد طاقة عليهم رغم كثرة تعداد جيش عمر.

هنا تخرج الأرقام الحقيقية ومعنى البطولة فالبطولة ليست تعداد الأرقام الضخمة.

البحث التاسع: شمولية الدعاء – الدعاء نموذجاً

خاطئٌ من يتصور أن كربلاء ما هي إلا معركة حصلت وقد انتهت بقتل الحسين وأصحابه وسبي نسوته وبقى الحزن في النفوس والقلوب. بل كربلاء هي أبعد من حدود الجنبة العسكرية.

كربلاء هي ليست واقعة تصنف بأنها واقعة عسكرية غير متكافئة الطرفين فكربلاء مبادئ وقيم وامتداد لمعنى الكلمة وإلى وجود الدين.

وكلكم سمعتم مقولة أحد علماء المسلمين المعروف بشيخ جمال الدين الأفغاني حين قال:

إن الإسلام محمدي الوجود والحدوث حسيني البقاء والاستمرار.

وكيف يمكن لنا أن نفهم كربلاء بغير هذه الزاوية العسكرية؟!

قالوا من خلال قراءة التاريخ بعين وعقل وبقلب بصير.

نأتي إلى أحد نماذج سرد المؤرخين فيما جرى في كربلاء ويتضح لنا منه ما هي مبادئ الإمام الحسين (ع).

الشمر قدم إلى كربلاء في يوم التاسع عصرا وآلى إلا أن يبدأ النزال ليلة العاشر! وكان عمر بن سعد مخيرا بين أمرين إما أن يعطي أمرة الجيش إلى الشمر أو إلى القتال لأنه كان في حوار مع الإمام الحسين وقد رفض عمر إعطاء الأمر للشمر.

كان بين الشمر والحسين: العباس فأتى الشمر وطلب إما البيعة أو النزال فكانت مقولة الإمام الحسين عليه السلام المعروفة الواردة عنه: “ألا وإن الدعي بن الدعي قد ركز بين اثنتين السلة أو الذلة وهيهات منا الذلة”

(السلة هي السيف والذلة هي البيعة).

ماذا قال الإمام الحسين عليه السلام؟!

يجمع مؤرخينا ويشتهر عند مؤرخيهم في التحليل أن الطلب لم يكن مراوغة فقال أمهلونا سواد هذه الليلة كي أصلي لله بين يديه فو الذي نفسي بيده إنه ليعلم أني أحب الصلاة.

ظهيرة العاشر وعند الزوال كانت المعركة في أوجها فأوقف الحسين القتال من أجل الصلاة.

هل هناك ظرفا صعبا ومحنة شديدة كالظرف الذي كان فيه الإمام الحسين؟!

فلم يكن هناك عذرا بأن يؤخر الصلاة.

هل أنت مع الحسين؟! أنت معه بما تتقيد وتلتزم بمبادئه وقيمه.

الحسين حينما أوقف القتال هل صلى فرادى أم جماعة؟!

صلاها جماعة.

لما نزلت عليهم السهام والنبال فهل أوقف الصلاة؟!

كربلاء تقرأ من جميع الزوايا فهي تقرأ من زاوية بعدها الاجتماعي ومن زاوية بعدها الفكري وزاوية بعدها العسكري وأيضا ببعدها الروحي والعبادي.

من أبرز معالم كربلاء هي أن كربلاء ساحة الدعاء.

جُمعت الأدعية فكانت أدعية الحسين شيئا كبيرا لا يستهان به في كربلاء!

الحسين عليه السلام كان يكثر من الدعاء والذكر في أرض كربلاء:

– نقول في البداية أنه وللأسف لدينا فهما مشوشا في التعامل مع الدعاء، فمثلا عندما يردد شخصا هذا الذكر: إنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم فإننا ننظر إلى هذا الشخص ويتباذر في أذهاننا أن هناك مصيبة أو شدة قد حلت به ! والحال أن هذه الحوقلة وهذا الاسترجاع هي أذكار لموارد كثيرة فمن مواردها المصيبة والمحنة وقد كان الحسين عليه السلام يكثر من لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وإنا لله وإنا إليه راجعون.

ومن موارد الحوقلة والاسترجاع الرزق والفرج ولمن نزل عليه هم لا يعرف من أين جاء وغيرها من الموارد الأخرى.

– نماذج كثيرة كان موقف الإمام الحسين عليه السلام الدعاء:

في صبيحة يوم العاشر:

عن‌ سيّد الساجدين‌ وزين‌ العابدين‌ عليه ‌السلام‌ أنّه‌ قال‌: لَمَّا صَبَّحَتِ الْخَيْلُ الْحُسَيْنَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، رَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ: اللَهُمَّ أَنْتَ ثِقَتِي‌ فِي‌ كُلِّ كَرْبٍ؛ وَأَنْتَ رَجَائِي‌ فِي‌ كُلِّ شِدَّةٍ؛ وَأَنْتَ لِي‌ فِي‌ كُلِّ أَمْرٍ نَزَلَ بِـي‌ ثِقَةٌ وَعُدَّةٌ. كَمْ مِنْ هَمٍّ يَضْعُفُ فِيهِ الْفُؤَادُ، وَتَقِلُّ فِيهِ الْحِيلَةُ، وَيَخْذُلُ فِيهِ الصَّدِيقُ، وَيَشْمَتُ فِيهِ الْعَدُوّ؛ أَنْزَلْتُهُ بِكَ، وَشَكَوْتُهُ إلَيْكَ، رَغْبَةً مِنِّي‌ إلَيْكَ عَمَّنْ سِوَاكَ؛ فَفَرَّجْتَهُ عَنِّي، وَكَشَفْتَهُ، وَكَفَيْتَهُ. فَأَنْتَ وَلِي‌ كُلِّ نِعْمَةٍ، وَصَاحِبُ كُلِّ حَسَنَةٍ، وَمُنْتَهَي‌ كُلِّ رَغْبَةٍ.

عندما خطب الحسين عليه السلام خطبته قبل قرع طبول المعركة ولمّا اشتدَّ بهِ الحالُ رفعَ طَرْفَهُ إلى السماءِ وقالَ: “اللهُمَّ أنتَ مُتَعالي المكانِ، عظيمُ الجبروتِ، شديدُ المِحال، غنيٌّ عَنِ الخلائقِ، عريضُ الكِبْرياءِ، قادرٌ علَى مَا تشاءُ، قريبُ الرَّحمةِ، صادِقُ الوَعْدِ، سَابِغُ النِّعمةِ، حَسَنُ البلاءِ، قريبٌ إذا دُعِيتَ، مُحيطٌ بما خَلَقْتَ، قابِلُ التوبةِ لمن تابَ إليكَ، قادرٌ على ما أَرَدْتَ، مُدرِكٌ ما طَلَبتَ، شَكورٌ إذا شُكِرتَ، ذَكورٌ إذا ذُكِرتَ، أدعوكَ مُحتَاجاً وأرغبُ إليك فَقيراً، وأفزَعُ إليك خائِفاً، وأَبكِي مَكروباً، وأستعينُ بكَ ضَعِيفاً، وأتَوَكَّلُ عَليكَ كَافِياً. “اللهُمَّ احكُمْ بَينَنَا وبينَ قومِنَا، فإنَّهم غرُّونَا وخَذَلُونَا، وغدَرُوا بِنَا وقتلونا، ونحنُ عِترةُ نبيِّكَ، وَوِلدُ حبيبِكَ محمَّدٍ الذي اصطفيتَه بالرسالةِ، وائتمنتَهُ على الوحيِ، فاجعَل لنَا من أمرِنا فرَجاً ومخرَجاً يا أَرحم الراحمينَ.

ما إن يطعن بطعنة أو يضرب بضربة إلا وكرر قائلا: إلهي لا معبود سواك فإذا أراد أن ينزع النبلة أو السهم كرر قائلا: إلهي خذ حتى ترضى.

كان يذكر الله ويكرر الذكر في قيامه وقعوده.

مأتم أنصار الحسين – البلاد القديم

ليلة السبت 29/09/2017 – ليلة تاسع محرم 1439هـ

المقالة السابقةملخص مجلس ليلة ثامن محرم 1439هـ – الخطيب الشيخ حامد عاشور
المقالة القادمةتغطية مصورة: يوم التاسع من محرم الحرام 1439هـ

اترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا