مجلس ليلة ثامن محرم 1440هـ
الخطيب الشيخ حامد عاشور
__________________________________________________
المجلس الثامن – القسم الاول
أسماءٌ من تأريخ كربلاء
(حميد بن مسلم)
الاسم الذي سنتحدث عنه هو اسم اختلف حوله المؤرخون والمحققون، فبعضهم لعنه وقالوا إن مصيره النار، والبعض الآخر أعطى له تبريرا وعذراً فيما فعل.
هو حُميد بن مسلم الأزدي الكوفي.
وهنا نقول مقدمةً مهمةً جدا: ما هي ثمرة الحديث عن حميد مسلم؟
هي بسبب اختلاف المؤرخين وأهل التحقيق في أمره، فإن كان فعلاً ممن خذل الإمام الحسين عليه السلام وكان من الأعداء الذين شايعوا في قتل الإمام فإننا سنتعامل مع رواياته التاريخية معاملة الأعداء الذين أخبروا وستكون عين المجهر حينها مختلفة واحتمال الزيادة والنقصان واردة.
وإن أخذنا بالقول الآخر الذي وصل فيه الأمر إلى أن بعض العلماء قد صنفه في فهرسه من رجال علي بن الحسين السجاد عليه السلام أي من الذين رووا وحدثوا فإن التعامل سيكون بحديثه بعين مختلفة وبنظرة تختلف عن النظرة الأولى.
لن نتحدث عن رأي أغلب المحققين ولكننا سنذكر مساوئ حميد وكذلك محاسنه وقبل ذلك نقول أن حميد بن مسلم استفرد بعدة أخبار كان آخر مطافها أن المصدر منه وبالتالي إن كان الخبر لم يصل إلا من طريقه فيجب حينها البحث والسؤال والتنقيب عن من هو حميد بن مسلم، ومن نماذج الأخبار التي مصدرها هو وآخر المطاف منه هي:
– الحوار الذي حصل بين الإمام الحسين عليه السلام وعمر بن سعد في يومي السابع والثامن من محرم.
– تفاصيل أخذ الرأس من كربلاء إلى الكوفة منحصر عند رواية حميد بن مسلم.
– ما قاله الإمام عند جثة ابنه عليٍ الأكبر: على الدنيا بعد العفا.
– رواية خروج القاسم من الخيمة وبكل التفاصيل الدقيقة حول خروجه ومحاربته وكذلك قتله.
لحميد مساوئ ومحاسن، حميد بن مسلم كان صديقاً إلى عمر بن سعد وكان في عمره ولولا وجود هذا الغطاء وهو غطاء عمر بن سعد لما كان حميدا في كربلاء ولما أمر بالمشاركة وهنا علامة استفهام على حميد.
من مساوئ حميد:
– كان مع خولي عندما أخذ رأس الإمام الحسين (ع) ووضعه في كيس.
– كان من الذين يشيرون إلى عمر بن سعد ببعض مشوراته يوم عاشوراء وقبل عاشوراء (كان ممن يعد لترتيب المعسكر في عدة مواقف وهذا الذي ينطبق عليه شايع).
– كان ممن سمع واعية الحسين عليه السلام بل هو الذي رواها ولكنه لم ينصر الإمام.
– عليه شبهتان:
— اعترافه بالذنب والتحاقه مع التوابين وهنا علامة استفهام أن كان معهم، والغدر هو من أفشل ثورة التوابين، وحميد عاد قبل أن يغدر بهم، أي أنه الوحيد من بينهم كلهم من سلم.
— دخوله وخروجه من سجن عبيد الله بن زياد.
– كان مطلوباً بعد قيام دولة المختار الثقفي وحينها فر هارباً رغم أن علاقته مع المختار جيدة إلا أنه كان من الذين كتب عليهم القصاص ممن شارك في أرض كربلاء.
المحاسن:
– اعتراضه على الشمر عندما أراد حرق الخيام إلا أن عمر بن سعد حال بين ذلك.
– اعتراضه على شبث وابن الأشعث والشمر في قتل السجاد يوم عاشوراء.
– جلبه الماء للحسين وإن لم يصل لجسد الإمام:
(لما وقع الإمام الحسين في عصر العاشر تجمع قيادات الجيش ومن خلفها الصفوف وكانوا ينظرون إلى الحسين وهو على التراب)، يقول حميد بما مضمونه: سمعت الحسين يتمتم وهو يقول: لا معبود سواك، رضاً بقضائك يا رب، إلهي خذ حتى ترضى.
حينها حميد قال لعمر بن سعد لقد سمعت الإمام يسبح والله إنه لا يقوم فإن صوته مبحوح ودمه ينزف وجراحته كثر،، فما ضركم لو أسقيتموه شيئا من الماء، عندها عمر بن سعد سكت ولم يرد ففهم حميد أن عمر أجاز له.
فأخذ حميد الآنية ورجع للمعسكر ولكن عند رجوعه للمعسكر اعترضه علي ابن الطعان وقال له لمن الماء؟ قال للحسين وقد أجازني الأمير فقال الطعان: لا والله لا يشرب قطرة من الماء.
– كان من الذين أرجعوا بعض الأطفال والصغار الضائعين (كان يأخذهم حيث تجمع النساء والأطفال عند التل الزينبي)
– كان من الذين نقلوا لنا الحادثة رغم فداحة الأمر وخطورته.
————————————————-
المجلس الثامن – القسم الثاني
أثر التربية في الشخصية
نتحدث اليوم حول مفردة مهمة وهي التربية في بناء الشخصية، هذه المفردة تشكل شبحا مرعبا عند الآباء والأمهات وهماً يؤرقنا ليلا ونهارا، وحملا ثقيلا على ظهورنا ومسؤولة شرعية قبل أن تكون تربوية.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)
التربية بُحثت عند علماء التربية في اختصاصهم بما هو علم مستقل قائم بذاته وتطرق إليها علماء النفس لارتباطها الوثيق وعلماء الاجتماع والاخصائيين الاجتماعيين والأخصائيين النفسين.
فلا تخلو آيات كتاب الله ولا روايات أهل البيت عليهم السلام، ولا بما سطرته كتب علماؤنا وفقهاؤنا ومراجعنا ومفكرينا في هذه المفردة المهمة.
وهنا نقف عند عدة نقاط عابرة في خضم تعدد الآراء واختلاف الرؤى وتعدد المناهج في مسألة التربية.
1- نحن نؤمن أن الإنسان يولد وهو ذو صفحة بيضاء، والتربية من ربى وربى يعني زاد فكل زيادة على تلك الصفحة هي بأيدينا نحن ؛ والقرآن الكريم يؤكد هذه الحقيقة.
(وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۙ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)
2- لماذا قدم السمع على البصر؟
التقديم في القرآن الكريم له نكت بلاغية علمية فتقديم السمع جاء لأنه أقوى من البصر وقد أكدت الروايات حول هذا الأمر وهو قوة حاسة السمع التي هي أقوى من حاسة البصر، فالمولود لا يبصر كما نحن نبصر، والسمع هو أقوى الحواس من بين كل الحواس عنده.
ولذلك جاءت الشريعة بمستحبات وأمرتنا أن نؤذن في يمين المولود ونقيم في يساره، وأن نكثر من الدعاء والإقرار لله بالربوبية ولمحمد بالنبوة وللأئمة بالإمامة.
وفي مناهج التربية هناك نوعان:
الأول:
التوجيه المباشر (التربية المباشرة) وقالبها: افعل ولا تفعل (أمر ونهي)، وهذا هو أضعف أساليب التربية لكنه أكثر الأساليب انتشاراً لدينا وإن تعددت أنواعه أو اختلفت.
الثاني:
التوجيه غير المباشر والذي نغفل عنه نحن عادة، وبعض الأخصائيين يقولون لا يوجد لدينا بيئة وتربية فالبيئة تربية والتربية بيئة والذي يؤيد هذا الرأي النتائج المتأخرة من أسباب مرض التوحد.
قالوا أن النسبة الطاغية في أطفال التوحد أنهم يعيشون في بيئة كئيبة وإن لم تكن كئيبة فهي بيئة يغلب عليها السكوت.
وختاماً نقول نحن أمام مشكلة وهي أننا نريد ثقافة لأبنائنا وأولادنا مثل ثقافة زماننا!
نحن نقرأ ما يفعله الطفل أو البنت مقابل قراءة عمري وزماني وتفكيري!
مثلاً: عندما تعطي ولدك هدية لعبة سيارة، ما الذي يفعل بها بعد ساعة؟! تقول لي يكسرها !
والصحيح أنه لا يريد تكسيرها بما تعتقد أنت ولكن لديه حب المعرفة المودوع وحب الاستطلاع (يرى كيف صنعت)
لذلك تجده يفككها أو يريد أن يعمل قدرة التفكيك والتركيب.
أنت عندما تقول له لا تكسر هذه اللعبة فإنك تقتل بداخله حب الاستطلاع.
وكذلك الأمر بالنسبة عندما يسأل ويكثر من السؤال، فعندما تنهاه عن السؤال فإنك تقتل حب الاستطلاع عنده.
وقد ورد: لا تَقْسِروا أولادَكم على آدابكم، فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم.
البيئة تؤثر تأثير غير طبيعي على الولد.