مجلس ليلة حادي محرم 1440هـ
الخطيب الشيخ حامد عاشور
__________________________________________________
المجلس الاول – القسم الاول
أسماءٌ من تأريخ كربلاء
(أم سلمة)
في العام الماضي تطرقنا لمفردات كربلائية، وفي هذا العام سنتطرق إلى ذكر اسم أو شخص في مسيرة كربلاء، والأسماء لها ارتباط بثورة كربلاء سواء كانوا من أصحاب الإمام الحسين أو من أعداء الإمام الحسين وسواء كانوا قبل كربلاء أو بعد كربلاء أو كانوا حاضرين في أرض كربلاء أو غائبين عنها؛ والهدف هو تشكيل قاعدة معرفية أساسية للحسين عليه السلام فهي تشكل النواة الأساس لمعرفة الإمام عليه السلام، وهو الاسم الذي حيّر العقول وأدمع العيون وأحزن القلوب.
وفي هذه الليلة سنتطرق باختصار شديد إلى اسم مهم له ارتباط بالإمام الحسين عليه السلام وهو اسم “أم سلمة”.
“أم سلمة” هند بن ابي امية بن المغيرة:
1- لا يوجد تاريخ عند كل المؤرخين في سنة ولادتها، نعم ذكروا أنها انتقلت إلى الرفيق الأعلى عام 61 او 62 وأشار البعض إنها توفت في العام 59 للهجرة.
2- هي من اللواتي أسلمن في مكة المكرمة أي قبل هجرة النبي للمدينة المنورة أي في بعد البعثة النبوية وقبل الهجرة الشريفة، فهي من السابقين في الإسلام.
3- هي وزوجها الذي هو أخو النبي من الرضاعة كقول بعض المحققين كانا من المهاجرين من مكة إلى الحبشة وهنا نقول: في المهمات الصعبة لا يمكن أن تجرى المجاملة والمحاباة.
فاختيار أم سلمة كعنصر سنوي مهم وفعال لم يأتِ بمجاملة أو بمحاباة لأن أي خلل يفسد مشروع النبي وهذا يدلل على أن المرأة لها دور في مشروع النبي صلى الله عليه وآله.
4- كانت من المهاجرات مع زوجها من الحبشة إلى المدينة.
5- استشهد زوجها في معركة أحد لكثرة الجراحات التي أصابتها، تزوجها النبي في العام الرابع للهجرة وعاشت معه من العام الرابع وإلى العام الحادي عشر وهي الزوجة السادسة للنبي صلى الله عليه وآله.
6- هذا الاسم هو محط وفاقٍ بين جميع المسلمين
مورد الاتفاق بين كل المذاهب وهذا يعطيها رقما آخر، ومن ابرز مصاديق الوفاق قبول روايات ام سلمة عند كل المذاهب.
7- روت عن النبي صلى الله عليه وآله بما وصل إلينا ثلاثمائة ثمانية وسبعون حديث تقريبا؛ ويمتاز حديثها أنها ترويه من النبي مباشرة (قال لي رسول الله، حدثني رسول الله، رأيت رسول الله).
8- تعتبر أم سلمة من المحبين الخاصة لأهل البيت.
علاقة أم سلمى بعلي وفاطمة وبالحسن والحسين علاقة لا يمكن أن تحجبها الغيوم فهي كالشمس الساطعة.
9- في علم الحديث والرجال إذا أرادوا أن يضعوا بين قوسين اسم ثقة فلا بد ان يتجرد الفقيه من كل العواطف لكي يكتب الاسم ثقة لكي تؤخذ بروايته وأم سلمة لا تُستثنى من هذا المعيار.
– ما هو الدليل على ثقة أم سلمى؟
الدليل يكشف ملابسات مهمة:
حين خرج الحسين من المدينة المنورة عام 60 للهجرة إلى مكة كان عند الحسين مواريث الإمامة والنبوة، فلما أراد الخروج كان يجب أن تحفظ هذه الأمانة العظيمة التي تحتوي على وثائق وأوراق مهمة وفيها كل مواريث النبوة والإمامة، وهذه الأمانة الحسين استودعها أم سلمة على الرغم من وجودة عدة أسماء هناك مثل عبدالله بن عباس، عبدالله بن جعفر، محمد بن الحنفية، عمر الأطرف، وكثير من الأسماء والصحابة موجودين إلا أن الحسين استودع إلى أم سلمة وقد أوصاها أن تعطيها إلى علي بن الحسين حينما يعود من سفره.
يقول العلماء إذا كانت محطة ثقة لأمر خطير لما سلمت واستودعت مواريث النبوة والإمامة لها.
10- من بين الأحاديث يوجد لدينا حديثان مهمان يشكلان مفترقا طريق بل ويشكلان مادة أساسية لأهم قاعدة في قضية بعض الاعتقادات والحديثان هما:
– حديث الكساء.
– حديث القارورة.
أ- حديث الكساء كانت ترويه أم سلمة وكانت حاضرة وهي تقول لم يشملها الحديث ولكن قيل لها أنت على خير وإلى خير، والمهم هذا الحديث بطريق ام سلمة انها تثبت مورد النزول وتنفيه عن غير هذا المورد.
ب- حديث القارورة ترويه كتب الفريقين:
— عن الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام قال: أصبحت يوما ام سلمة رضي الله عنها تبكي فقيل لها: مم بكاؤك ؟ فقالت: لقد قتل ابني الحسين الليلة، وذلك أنني ما رأيت رسول الله منذ مضى إلا الليلة فرأيته شاحبا كئيبا فقالت: قلت: ما لي أراك يا رسول الله شاحبا كئيبا ؟ قال: ما زالت الليلة أحفر القبور للحسين وأصحابه عليه وعليهم السلام.
— جاء في المراسيل أن سلمى المدنية، قالت: دفع رسول الله صلى الله عليه وآله إلى أم سلمة قارورة فيها رمل من الطف، وقال لها: إذا تحول هذا دما عبيطا فعند ذلك يقتل الحسين، قالت سلمى: فارتفعت واعية من حجرة ام سلمة، فكنت أول من أتاها، فقلت: ما دهاك يا ام المؤمنين ؟ قالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله في المنام والتراب على رأسه، فقلت: ما لك؟ فقال: وثب الناس على ابني فقتلوه، وقد شهدته قتيلا الساعة، فاقشعر جلدي فوثبت إلى القارورة، فوجدتها تفور دما قالت سلمى: فرأيتها موضوعة بين يديها.
————————————————-
المجلس الاول – القسم الثاني
لماذا الحسين (ع)؟!
هناك سؤال يطرح: لدينا 14 معصوم فلماذا الحسين؟!
عندما تذكر الإمام الجواد مثلا تقول عليه السلام وكذلك الإمام الباقر أو السجاد وعندما تذكر الإمام الحجة تقول عجل الله فرجه ولكنك عندما يذكر لك الحسين ترى أن دمعك يسبق صوتك!
كل معصوم له ذكرى ولادته وذكرى شهادته فلماذا يذكر الحسين طوال العام وفي كل مكان؟!
هذا السؤال بسيط ولكنه محير وفي مقام الجواب نقول هناك عدة أجوبة نذكر بعضاً منها:
الجواب الاول:
من الطبيعي أن ترى البكاء والحسين متلازمان وذلك لكثرة الروايات التي وردت حول البكاء على الإمام الحسين.
“من ذَكَرنا أو ذُكرنا عنده فخرج من عينه دمعٌ مثل جناح بعوضة ، غفر الله له ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر”.
“إن يوم الحسين أقرح جفوننا ، وأسبل دموعنا ، وأذلّ عزيزنا بأرض كربٍ وبلاء ، أورثتنا الكرب والبلاء إلى يوم الانقضاء ، فعلى مثل الحسين فليبك الباكون ، فإن البكاء عليه يحطّ الذنوب العظام..”
نقول هنا أن مشكلة هذا الجواب هو أنه عمّق الإشكال لأن البكاء لا يكون اختياراً بل هناك مقدمات للإنسان إذا كان في وضع ما فإنه يبكي بلا اختيار.
(تبكيك عيني لا لأجل مثوبة لكنما عيني لأجلك باكية)
بلا اختيار ولا إرادة وليس للثواب لأننا مفجوعون بالمصاب.
الجواب الثاني:
ورود الروايات الكثيرة من النبي صلى الله عليه وآله في فضل الحسين كانت مقدمة لتعلقنا بالحسين فلما صار التعلق حصل الحب وبالحب يكون الشعور والإحساس بالفرح والحزن.
مثل: حسينٌ مني وانا من حسين
مثل: الحسن والحسين سيدا شباب اهل الجنة.
ومثل: أحب الله من أحب حسينًا
هذه الحديث فيه سر من الأسرار ونذكر بعض السر من أسراره:
هذا الحديث ورد بطريقتين : أحبَ اللهَ، وأحبُ اللهُ
— إذا قلنا أحب اللهَ من أحب حسينا فيعني أن من يحب الحسين يحب الله، ويعني أن الحسين طريق لمحبة الله عز وجل، فبالحسين عرفت الله وبه أحببت الله وهو من أهداني لطريق الله تعالى.
— وإذا قلنا أحب اللهُ من أحب حسينا يعني أن من يحب الحسين فإن الله يحبه، والحب نازل من الجليل وهذه لا تكون إلا لمنابع عظيمة، والله عز وجل لكي يحب عبداً لا بد أن يكون هناك سببا عظيما وإذا حصل الحب من الله إلى العبد حصلت القداسة.
ومثل ذلك هناك وادي قد يقال في مصر على اختلاف الروايات. لما كان هذا الوادي فيه حديث من الله إلى موسى تحول هذا الوادي إلى وادٍ مقدس؛ كذلك القلب الذي أحب الحسين أصبح مقدسا وبالتالي الله جل جلاله يحب القلب المقدس.
الجواب الثالث:
قالوا للمأساوية التي حصلت يوم عاشوراء على الحسين (ع):
هجر عن أوطانه، وصار طريداً عن بيت الله، حوصر في منطقة صحراوية قاحلة، منع عنه الماء وأهل بيته، ذبحوا عياله، حرقوا خيامه، روعوا نسائه، فعلوا ما يدمى به قلب كل إنسان، فصلوا رأسه عن جسده، رضوا عظامه!
العنصر المأساوي الذي جرى على الحسين سبب أساسي في حصول الدمعة والبكاء فما ذكره مؤمن إلا وبكى.
(قد يقول قائل هذه كلها مآسي ولكن أهل البيت مروا بمآسي لم نعرف كلها.)
الجواب الرابع:
ونقول في مقام الجواب:
حينما نقول الإمام الحسين عليه السلام فإننا على يقين بأنه تمثل شخص النبي صلى الله عليه وآله كله في الحسين وتمثل شخص الإمام علي في الحسين وشخص السيدة فاطمة في الحسين وشخص الإمام الحسن في الحسين فالذي قتل في كربلاء ليس الحسين وإنما هو النبي وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم أفضل الصلاة والسلام.
وهذا احد معاني كلمة زينب يوم عاشوراء:
يا محمّداه، بناتك سبايا، وذرّيّتك مقتَّلة، تسفي عليهم ريح الصَّبا، وهذا حسين مجزوز الرأس من القفا، مسلوب العمامة والرداء، بأبي من عسكره في يوم الاثنين نهبا، بأبي من فسطاطه مقطع العُرى، بأبي من لا هو غائب فيرتجى، ولا جريح فيداوى، بأبي من نفسي له الفداء، بأبي المهموم حتى قضى، بأبي العطشان حتى مضى، بأبي من شيبته تقطر بالدماء، بأبي من جدّه رسول إله السماء، بأبي من هو سبط نبيِّ الهدى، بأبي محمد المصطفى، بأبي خديجة الكبرى، بأبي علي المرتضى، بأبي فاطمة الزهراء سيِّدة النساء، بأبي من ردَّت عليه الشمس حتى صلَّى، اليوم مات جدي رسول الله، اليوم ماتت امي فاطمة، اليوم قُتل ابي علي، اليوم سُم اخي الحسن.
بل واذا اردنا ان نكون اكثر انصافا ودقة، فإن الذي قُتل في يوم عاشوراء ادم ونوح وموسى وابراهيم وعيسى وكل الانبياء فالحسين وارث الانبياء.
لقد قطعوا راس محمد وهشموا صدر عيسى ووضوا جسد موسى ونحروا ابراهيم ومثّلوا بجسد نوح وسبوا نسوة الانبياء وقتلوا ابناء الاتقياء فالحسين حين نسال لماذا الحسين.
لأن الحسين تمثل فيه كل وجود الله في الارض بوراثته للانبياء وبخاتمهم والاوصياء والائمة الاطهار وخط الحق.