مجلس ليلة تاسع محرم 1440هـ

الخطيب الشيخ حامد عاشور

__________________________________________________

 

المجلس التاسع – القسم الاول

أسماءٌ من تأريخ كربلاء

(ليلى الثقفي)

 

نذكر هذا اليوم اسما مهما لارتباطه بتأريخ كربلاء، الاسم هو ليلى بنت أبي مرة بن عروة الثقفي.

اذا قلنا الثقفي يعني أن اللقب من بني ثقيف وهي قبيلة معروفة أنجبت الكثير من الشخصيات التي خُلدت.

جدُّ ليلى هو عروة الذي كان معروفا بوجاهته وكان مهابا عند العرب.

بنو ثقيف من الطائف، ولكن علاقتهم بمكة والمدينة كانت علاقة وطيدة.

في عام 9 للهجرة لما اشتد النزاغ والخلاف ووصل الأمر إلى طريق مسدود بين النبي صلى الله عليه وآله وقريش جاءت ورقة صلح لأجل محدود من قريش وكانوا يريدون شخصية ذات مكانة عالية فوقع الاختيار على عروة.

عروة ما خرج من عند النبي صلى الله عليه وآله إلا وهو مقر بالشهادتين.

وهذا يعتبر اعظم انجاز في الصلح بأن يؤمن عروة

(وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيم)

عروة أعلن اسلامه لذلك تم اغتياله بأيدي خبيثة وقتل بعد ذلك.

أبو ليلى هو أبو مرة وهو ابن عم المختار الثقفي، ونسب المختار مع الإمام الحسين من باب ليلى لأن ابوها ابن عمه وقد ولدا في حياة رسول الله.

أمها ميمونة بنت أبي سفيان، فيكون معاوية بن ابي سفيان خال ليلى.

ملاحظة سريعة:

لا يوجد حول ليلى في كتب التاريخ إلا القليل جدا، ولا يتجاوز الأوراق القصار.

هنا مقدمة مهمة نقول فيها:

المنبر يجمع ولا يفرق، وأي خطاب في المنبر يكون بذرة لخلاف فهذا دليل على أن المنبر مادته عقيمة.

نعم، المنبر يجمع الآراء دون العصبية بل بمنهج البحث العلمي، ولذلك المنبر يسمى جامعة ..مدرسة ..

الجامعة والمدرسة لا تتعصب ولا يكون عندها العرق المتعصب دون وجود البحث العقلائي العلمي الذي يتبع اصول البحث العلمي الأمانة العلمية.

الآراء التي ذكرت من وجود ليلى من عدم وجودها آراء كثيرة وفي خلاصة تلك الآراء نذكر ثلاث آراء حولها:

الرأي الأول:

ليلى لم تكن على قيد الحياة عام 61هـ.

قالوا لأنه لم يذكر في توثيق التاريخ وجود اسم ليلى فيما نقل عن واقعة الطف.

وفي الرد على هذا الرأي قيل أن الكثير من الأحداث لم تصل الينا مثل خروج ضعينة النساء بعد أن أرجعوا إلى كربلاء وإلى المدينة (كل التفاصيل وما جرى لم تصل)

إما لأنها لم تدون تلك التفاصيل أو أنها دونت ولم تصل لأن كثير من المدونات مزقت وحرقت.

الرأي الثاني:

ليلى كانت على قيد الحياة ولكنها لم تكن في واقعة الطف، ويقولون اثبات أي شي يحتاج إلى دليل فأين الدليل على وجودها في الواقعة؟

هناك عدة ردود ذكرت في محلها للرد على هذا الرأي.

الرأي الثالث: 

كانت حاضرة، ووجود ليلى عبر عنه البعض عنه بأنه مشهور، والبعض الآخر عبّر بأنه من النصوص الواضحة. ومن بين من يؤيد هذا الرأي هو سيد جعفر المرتضى العاملي.

تنبيهه مهم:

كل أصحاب هذه الآراء الثلاثة وإن اختلفت يقولون أن ليلى كانت موجودة أو لم تكن موجودة فهي عظيمة

وجليلة الشأن لارتباطها بالحسين ومن قبيلة معروفة وانجابها منه.

نفس الزواج لا يثبت منزلة أو مكانة إلا اذا حصل الإنجاب من خلال هذه الزيجة.

فمثلا: أم الفضل زوجة الإمام الجواد (ابنة المأمون) وغيرها كجعدة بن الأشعث زوجة الامام الحسن تزوجن من الأئمة.

كل زوجة كانت موضعا لعقد نطفة المعصوم فإن الرحم يكون طاهراً مباركاً مقدساً.

بل ثبت من خلال الواقع الخارجي لكل أمهات الأئمة، وكل أمهات أبناء الأئمة وعرفوا بالعظمة والمنزلة والطهارة والعفة العالية.

قالوا بلى: لو كانت زوجة ولم ينجب منها يبقى الأمر مردد ولكن أن تكون موضع لعقد نطفة شاب عظيم كعلي الأكبر فهذا دليل على أن الظرف يحتاج إلى تناسب مع المظروف.

وهذا ما تعبر عنه الزيارات حينما تصف هذه الحيثية للمعصومين بمقردة الأصلاب والأرحام المطهرة.

 

————————————————-

 

المجلس التاسع – القسم الثاني

خصائص علي الأكبر (ع)

 

1- السؤال الأهم:

لماذا الحديث عن خصائص علي الأكبر (ع) وما الثمرة من هذا الحديث؟

نقول لثمرة مهمة:

إذا أردنا أن نضع النقاط على الحروف في أي أمر يرتبط بشخص المعصوم بل وبالشهداء الذين يعتبرون أعظم وأعلى وأوفى شهداء عرفهم التاريخ البشري بقول الحسين عليهم السلام: (ما رأيت أصحابا خير من أصحابي)، فإنه يتوجب علينا حينها البحث عن مكانة الفرد تلو الآخر لنضع النقاط على الحروف.

سجية العقلاء متى تسأل عن خاصية الشيء؟

تسأل إذا احتاجت لشرائه او اقتنائه، ليس كل شيء نسأل عن خواصه ومميزاته ولكن إذا احتجنا إليه فنسأل عن كل خصائصه لأنه مورد للحاجة.

وعلي الأكبر عليه السلام يشكل عمداً أساسيا في تاريخ واقعة الطف ولذلك لابد من السؤال عن خصائص هذا الرجل العظيم.

2- ما هي آلية الوصول لمعرفة المميزات والمشخصات المتعلقة بالأفراد؟

قالوا عدة مصادر وعدة طرق منها:

1- ما قيل في شأنه وحقه سواء من مؤيديه أو معارضيه، وسواء كان من محبيه أو مناوئيه. وسواء كان من القريبين منه أو البعيدين.

ومثال على ذلك هو  الإمام الحسين (عليه السلام) فقد تكلم في الحسين الشيعة وباقي المذاهب، وتكلم عنه المسيح  والبوذيون والملحدون  والعلمانيون والسياسيون والاجتماعيون واهل الاختصاص قديما وحديثا، والشعراء بمختلف أطيافهم ومختلف انتماءاتهم، وهذا يكشف لنا على دلالة مهمة وهي عظمة الإمام الحسين عليه السلام.

وكذلك بالنسبة لعظمة علي بن الحسين عليه السلام، ومن ما قيل في شأنه سواء من مدح معاوية إليه أو ما خصه الإمام الحسين (ع) في كثير من المواطن من مدحه.

2- ما قاله (شخصه)، ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام: المرء مخبوء تحت لسانه ، فاذا تكلم ظهر.

لذلك لسانك حصانك إن صنته صانك وإن خنته خانك. ولنذكر نموذجاً مما نطق به لسان علي الاكبر. قال علي الأكبر: يا أبتِ ألسنا على الحق؟ وفوراً أجابه أبوه الإمام بلى نحن والله على الحق. قال علي الأكبر: إذا والله لا نبالي أوقعنا على الموت أو وقع الموت علينا!!

هذا الكلام عظيم، ولا يقوله إلا شخص يملك مقدمات أهلته للوصول لهذه المنزلة.

3- فعل الآخرين في حقه أو شأنه: يزداد الأمر إن كان الفعل من الآخرين والآخرين إما حكماء أو وجهاء بل ويزداد إدا كان الفعل صادر من المعصوم نفسه.

الفعل الأول: دفن علي الأكبر (ع) عند رجل الحسين عليه السلام:

من الذي قام باجراءات التجهيز والمواراة؟

هو علي زين العابدين عليه السلام،  إما أن يكون فعل المعصوم الإمام زين العابدين منه قد صدر وإما أنه تنفيذ من وصية أبيه الإمام الحسين.

وكلا من هذين نتيجتهما واحدة وهي وضع وتخصيص علي الأكبر عند رجل أبيه.

خاصية النسب:

اذا كان لخاصية النيل دور كان ينبغي مثلا دفن الشهداء مثلا من بني هاشم في حفرة، ومن غير بني هاشم في حفرة.

إلا أنهم دفنوا كلهم في حفرة  فلا نحتمل هنا دور  لخاصية النسب.

الفعل الثاني: هو ما صدر من المعصوم عليه السلام:

لما حصل الحسين الى جثته وجسده المبضع

الإمام الحسين شبك بعشر أنامله على رأسه وهرول على الأرض مناديا واعلياه.

كيف تم اغتيال علي الأكبر؟

علي الأكبر كان يصرع كل من يبارزه وعندما لم يستطع أحدا مقاومته أدخل في دائرة القتال المباشر الذي أحيط من كل جانب.

وحينها أيضا لم يتمكنوا منه وعندها قام أحدهم ونفذ اغتيالا آثما، رُمى علي الأكبر بنبلة في حلقه، وبما أن النبلة خنقت علي الأكبر اضطر الى أن ينزعها.

العرب في القتال اذا جاءتهم نبلة يكسرونها من جسدهم.

ولكن اذا جاءت في الحلق ألا يختنق؟

ولأنه فارس مغوار وله خبرته في الفروسية فقد  أخذ عنق الفرس ليخرج النبلة وبينما هو ذلك جاء لعين آخر  واستغل انحناء علي الأكبر فطعنه برمح طويل.

علي الأكبر تحمل النبلة والرمح الذي استقر فيه فأخذ عنق الفرس ليرجعه إلى المخيم لأبيه إلا أن الفرس أخذه إلى وسط وعمق معسكر الأعداء!!

وكي يوجعوا قلب الحسين عليه السلام تجمع الأعداء حول الأكبر فما من خنجر ولا سكين ولا سيف ولا رمح ولا سهم ولا حجر إلا وأصابته منهم.

نذكر ما رواه المؤرخون في سطر واحد:

لقد بضعوا جسده فقطعوا أوصاله فتناثر لحمه حتى بان بياض عظامه.

الحسين لما وصل الى ابنه علي وهو ملقى صريع شبك  على رأسه وهرول على الأرض لما راى من جسده.

4- الطريق الرابع الكاشف عن خاصية منزلته هو الزيارات الواردة من المعصوم:

في كل الزيارات الواردة عن المعصوم هنام اتفاق على أن أول من يثنى في السلام بعد الحسين هو علي الحسين، السلام على الحسين وعلى علي الحسين،  فلو كان لخاصية الولد لجعل مع أولاد الحسين. ولو كان لخاصية النصرة لجعل مع أصحاب.

التفصيل قاطع للشراكة لوجود خاصية عظيمة ومنزلة عالية له.

الخاتمة: التشبيه والتنزيل والتماثل دليل على الرفعة.

في أي تشبيه يوجد وجه بين المشبه والمشبه به

وفي البلاغة يقال وجه الشبه.

التنزيل ينزل الصفات من طرف إلى طرف حتى في الأحكام كالطواف.

(ورد عن النبي صلى الله عليه وآله: الطواف بالبيت صلاة) فنزل الطواف منزلة الصلاة.

دعاء الحسين الأخير عند ابنه قال:

اللهم اشهد عليهم فقد برز إليهم غلام أشبه الناس خَلقاً وخُلقاً ومنطقاً برسولك محمد (ص) وكنا إذا اشتقنا إلى نبيك نظرنا إليه.

أشبه في قالب التفضيل: يعني أكثر الناس شبها.

خَلقا:

ربما يقول البعض لا مفاخرة حين تكون هذا الحديث يشبه جده فالوراثة والجينات كما يعبر العلم الحديث والعرق.

نقول بلى:

ولكن هو لا يشبهه خَلقاً فقط وإنما خَلقا وخُلقا ومنطقا.

والحسين عليه السلام يقول كما ورد عنه:

وكنا إذا اشتقنا إلى حبيبك  ونبيك نظرنا إليه (إلى هذا الغلام).

المقالة السابقةتغطية صوتية: ليلة تاسع محرم 1440هـ
المقالة القادمةتغطية مصورة: يوم تاسع محرم 1440هـ

اترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا