مجلس ليلة ثالث محرم 1440هـ

الخطيب الشيخ حامد عاشور

__________________________________________________

 

المجلس الثالث – القسم الاول

أسماءٌ من تأريخ كربلاء

(عبدالله بن جعفر)

 

ليوم نتحدث عن اسم مهم لأن هذا الإسم الذي سنتحدث عنه يشكّل أحد الأفراد الذين لهم دور بارزٌ في كثير من المفاصل التاريخية في حياته بصورة عامة وفي حركة الإمام الحسين عليه السلام بصورة خاصة.

رجل مع ما يملك من رصيد تاريخي كبير إلا أنه لا يعرف عنه إلا القليل رغم أنه رجل المبادرات السياسية في أحلك الظروف وأشدها ؛ وعلى الرغم من أنه رجل كان له دور لا ينكره إلا مكابر إلا أن التاريخ همشه.

 “عبدالله بن جعفر”

أبوه جعفر الطيار وقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يسمي عبدالله: يا ابن ذوي الجناحين، وأمه هي المرأة المؤمنة التي أحبت أهل البيت عليهم السلام فأحبوها وأخدمتهم فأكرموها وعاشت في بيت علي وفاطمة والحسن والحسين، ألا وهي أسماء بنت عميس.

أسماء بنت عميس تزوجت جعفر الطيار وأنجبت منه أبناء، وبعد أن استشهد جعفر الطيار تزوجت الخليفة أبو بكر وأنجبت منه محمد بن أبي بكر المعروف بعشقه لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.

وبعد ذلك تزوجت أمير المؤمنين عليه السلام وأنجبت منه يحيى.

ونقول حسرةٌ وأسفٌ أننا لا نعرف أسماء أولاد أمير المؤمنين عليه السلام !

عبدالله بن جعفر ولد في العام الأول للهجرة لذلك سمي عند كثير من أرباب التاريخ بأصغر الصحابة، وأصغر الصحابة يسمونه إلى اثنين هما عبدالله بن الزبير، وعبدالله بن جعفر. بل أن عبدالله بن جعفر هو أول مولود في الحبشة من المسلمين.

الهجرة إلى الحبشة من المسلمين كانت هجرتان، الأولى قد تطرقنا وأشرنا إليها والثانية كان على رأسها جعفر الطيار وكانت من مكة إلى الحبشة، وآنذاك أسماء بنت عميس كانت مقرب فأنجبت حينها ابنها المعروف بعبدالله بن جعفر.

جعفر الطيار استشهد في العام الثامن للهجرة، وحينما استشهد جعفر جاء دور المربي والحنون والمبعوث رحمة للعالمين النبي محمد صلى الله عليه وآله فهو الذي أغدق عليه من حنانه وعطفه فكانت لا تغيب عيني رسول الله عن عبدالله.

وحينما توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان عمر عبدالله عشرة أعوام أو إحدى عشر عاما على اختلاف.

ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: “أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنّة”.

كفالة اليتيم لا تكن في المال فقط ! ترى القريب يهجر ناهيك عن البعيد !

المال هو أحد مصاديق كفالة اليتيم ولكن لا يعني أن نغفل عن معنى الكفالة.

عندما يأتون لعلماء الرجال ويسألون أتقبلون رواية صبي ؟ عبدالله بن جعفر كان عمره إحدى عشر عاما حينما توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

يقولون بلى لأنه كان يعيش في بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكان قريباً منه (يحدث ويقول سمعت النبي، وسمعت رسول الله) فهو يروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مباشرة ويروي عن أسماء ويروي عن فاطمة ويروي عن الحسن.

هذا الاسم هو مهم لأن هناك تهم كبيرة على عبدالله بن جعفر حتى وصل الأمر إلى  أنه يتهم انه يتقرب للامويين والمروانيين !!

عبدالله بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم  تربى في بيت أمير المؤمنين عليه السلام، وأمير المؤمنين زوجه ابنته زينب، وزينب لو لم تكن كفؤاً لعبدالله لما زوجها أمير المؤمنين عليه السلام.

الله جل جلاله فتح أبواب الرزق إلى هذا الرجل على مصراعيه حتى كان من أثرياء بني هاشم بل من أثرياء الحجاز (تجارته كانت على مستوى الحجاز واليمن والعراق).

عاش طويلاً، إلى 80 للهجرة وبعض الآراء إلى 90 للهجرة.

عبدالله تزوج بامرأتين بعدة وفاة السيدة زينب، لكن هناك قول آخر بأنه تزوج ثلاثا وقد تزوج في حياة السيدة زينب بامرأة أخرى.

تزوج ثلاثةً على قول واثنتان على الرأي المشهور. وثمرة الخلاف ان من استشهد في كربلاء من ابناءه فبناء أنه لم يتزوج غير زينب فينحصر ان الابناء الشهداء من ابناء زينب(ع).

علاقة عبدالله بن جعفر مع الحسين

عبدالله بن جعفر كان يملك نظرية ورؤية وكانت لديه حصيلة أن يكون سياسيا على الرقم الأول، وكان يرى تجنب خيار العراق وعلى ذلك كانت له عدة مبادرات سياسية من أهمها:

-المبادرة التي لم تتم وهي أنه في يوم الثامن من ذي الحجة خرج الحسين من مكة وملابسات الخروج كانت واضحا وقد تم تعيين واليا اسمه عمر بن سعيد.

هنا تدخل عبدالله بن جعفر وطلب من عمر بن سعيد أن يعطي ضمانا يكون الحسين مأمونا ولا تصل له يد سوء في مكة فتمت المبادرة منه (من عبدالله).

الإمام الحسين عليه السلام تشكر إلى عبدالله بن جعفر قال إني أعلم ما لا يعلمه عبدالله بن جعفر وأنا عازم على الرحيل.

(واقعة الحرّ)

رغم أن هناك اثنان على أقل تقدير من أبناء عبدالله رحلوا إلا أن مراسلته كانت مباشرة مع الشام وكان في مبادرته جاداً وقد بين إلى يزيد بصريح القول ما فعله جيشه وأن هذا هو أول أمر يعد انتهاكاً للدين وهو دخول العسكر إلى حرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

(تم اخماد هذا الانتهاك ولو بجزء بسيط).

– بعد قتل الإمام الحسين (ع) حصلت قرارات مجحفة وهذه القرارت أمنت منها:

– منع زيارة قبر الحسين ومنع الوصول إلى منطقة كربلاء وقيل نينوى (نينوى تختلف عن كربلاء).

– نشر المظاهر العسكرية لم يكن يكن لصالح عبيدالله بن زياد ولا إلى الحكومة آنذاك فنشروا شرطة بلباس العشار ويطلق العشار بالنسبة إلى العشرة من مائة، فنشر العشار ولكن سيوفهم في غمدها.

– منع إبراز مظاهر العزاء وإقامة المأتم على الإمام الحسين وعمم هذا القرار على ولاة الأنصار

كسر هذا القرار كان يحتاج إلى جرأة ومن كسر هذا القرار هو عبدالله بن جعفر فأقام المأتم وأتى أهل المدينة وجمع بني هاشم وكانت بداية وانطلاقة لإقامة مآتم الحسين عليه السلام.

 

————————————————-

 

المجلس الثالث – القسم الثاني

قراءة في بيانات وخطابات الإمام الحسين (ع)

 

بداية نقول:

لا يمكن لأي اقتصادي أن يعطي رؤية أو تحليلا أو نظرية بل وحتى ملاحظة دون أن يكون عارفا بالأرقام قبل وبعد وأثناء التحليل.

ولا يمكن لأي مفكرٍ أن يعطي تنظيرا في رؤيته إلا أن يكون ملماً بالقاعدة الأم؛ ولا يمكن لأي أحد أن يعرف القرآن دون معرفة مفرداته.

ولا يمكن لأي سياسيٍ أن يعطي تنظيرا في رؤيته دون معرفة أبجديات السياسة وخطاباتها ولا يمكن للقاضي أن يفصل ويحتم في قراره دون أن يسمع من الطرفين.

نحن إن لم نكن نعرف المادة الأساسية لحركة الإمام الحسين (ع) فلن نستطيع أن نعطي رؤية أو تنظير أو أي تحليل يتعلق في حركته، وهذه المادة قالوا أنها تشكل أمور كثيرة منها:

1- الخطب:

خطب الإمام الحسين (ع) وخطاباته سواء كانت في المدينة أو مكة أو المنازل وغيرها.

2- رسائله:

وإذا قلنا رسائله التي تتعلق بكربلاء فقط فهي على مدار إحدى عشر عاماً لأن رسائله كانت منذ زمن معاوية ومن أهم المراسلات ما كانت تتعلق في قضية إصرار معاوية على تعيين ابنه يزيد.

3- الوصايا:

منها التي بدأت من المدينة إلى محمد بن الحنفية، ووصيته إلى الإمام السجاد (ع) ليلة العاشر وكذلك وصيته إلى أهل المدينة وإلى أهل الكوفة وقال البعض إلى أهل البصرة وغيرها، وكانت أكثر الوصايا موثقة وكانت هناك أيضا وصايا شفهية.

4- بيانات الإمام الحسين (ع):

لفظة مفردة بيانات استعملت في الخطابات السياسية ولم تكن تستعمل قديما لأنها كانت عبارات موجزة قد يقال لها أنها تعرف بالشعار (فهذه قول موجز يعطى فيها رؤية وموقفا).

وهذه البيانات من الإمام الحسين عليه السلام كانت موجودة من المدينة إلى أن وقع على التراب.

5- المكاتبات:

وهي تختلف عن الرسائل.

من أهم المكاتبات مكاتبة الحسين وأهل البصرة.

[هناك رأي موجود يقول أن الحسين لم يكن قاصداً الكوفة وإنما كانت لديه عدة خيارات أبرزها البصرة].

المكاتبات لم يصل منها إلا القليل لأن أغلبها كانت خاصة وكانت بشكل سري، وصل إلينا القليل وبعضها كان مبتوراً.

وأكثر إمامين كانت لديهم لغة المكاتبات هما الإمام محمد الجواد والإمام علي الهادي عليهما السلام.

وهنا عدة إشارات نقول فيها أن هذه المادة وهذه الأمور امتازت بالتالي:

1- أنها كانت واضحة البيان: لغتها تتناسب والجميع سيما الخطب العامة والوصايا.

في موسوعة كلمات الإمام الحسين (ع) تجد أن العبارات يعرفها حتى من عمره خمس سنوات.

(ألا وإن الدعي بن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة وهيهات منا الذلة)

(على الإسلام السلام ، إذ بُليت الأمة براع مثل يزيد).

وهي واضحة لمن يفقه العربية ولمن ليس له حظاً في اللغة، بل هي من أسهل العبارات ترجمة إلى اللغات الأخرى.

2- امتازت بأنها ذات سطور سوى مراسلات الحسين ومعاوية.

3- هذه الأمور تشكل جنبة مهمة فعلى الرغم من أن الحدث سياسي إلا أن الحسين لم يكن يترك جنبة الموعظة ولم يكن يترك العنصر المعرفي والبعد العقائدي والبعد الأخلاقي في كل خطبه حتى مع معاوية.

الريشهري يقول أن مشروعنا القادم هو تدوين المواعظ والبعد العقائدي والرؤية الدينية من خطب الإمام الحسين (ع).

وتدوينها يقارب ما يقل عن ثلاثمائة صفحة دون التحليل والشرح والتفصيل.

الإمام الحسين عليه السلام كان لا يأتي بخطبة إلا ويبدأ بالموعظة ومن أبرزها خطبته في مكة:

خُطَّ الْمَوْتُ عَلَى وُلْدِ آدَمَ مَخَطَّ الْقِلَادَةِ عَلَى جِيدِ الْفَتَاةِ، وَ مَا أَوْلَهَنِي إِلَى‏ أَسْلَافِي اشْتِيَاقَ يَعْقُوبَ إِلَى يُوسُفَ، وَ خُيِّرَ لِي مَصْرَعٌ أَنَا لَاقِيهِ، كَأَنِّي بِأَوْصَالِي تَقَطَّعُهَا عُسْلَانُ الْفَلَوَاتِ‏ ، بَيْنَ النَّوَاوِيسِ وَ كَرْبَلَاءَ فَيَمْلَأَنَّ مِنِّي أَكْرَاشاً جُوفاً، وَ أَجْرِبَةً سُغْباً لَا مَحِيصَ عَنْ يَوْمٍ خُطَّ بِالْقَلَمِ، رِضَى اللَّهِ رِضَانَا أَهْلَ الْبَيْتِ، نَصْبِرُ عَلَى بَلَائِهِ وَ يُوَفِّينَا أُجُورَ الصَّابِرِينَ، لَنْ تَشُذَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ لَحْمَةٌ هِيَ مَجْمُوعَةٌ لَهُ فِي حَظِيرَةِ الْقُدْسِ تَقَرُّ بِهِمْ عَيْنُهُ، وَ يُنَجَّزُ لَهُمْ‏ وَعْدُهُ، مَنْ‏ كَانَ بَاذِلًا فِينَا مُهْجَتَهُ وَ مُوَطِّناً عَلَى لِقَاءِ اللَّهِ‏  نَفْسَهُ، فَلْيَرْحَلْ فَإِنِّي رَاحِلٌ مُصْبِحاً، إِنْ شَاءَ للَّهُ‏”.

المقالة السابقةتغطية صوتية: ليلة ثالث محرم 1440هـ
المقالة القادمةتغطية مصورة: يوم ثالث محرم 1440هـ

اترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا