مجلس ليلة ثاني محرم 1440هـ

الخطيب الشيخ حامد عاشور

__________________________________________________

 

المجلس الثاني – القسم الاول

أسماءٌ من تأريخ كربلاء

(سرجون بن منصور الرومي)

 

نذكر هذه الليلة اسما من الأسماء المرتبطة بواقعة كربلاء وهذا الاسم يشكل رقما مهماً فيما جرى على الإمام الحسين عليه السلام، وهو اسم:

(سرجون بن منصور الرومي)

وقد أضاف بعض المؤرخين بين قوسين (النصراني).

وعجبٌ هو أننا نعرفه بمسماه الوظيفي فنقول مستشار خليفة المسلمين!

فيا للعجب، أهل هذا انفصام في الشخصية أم ماذا؟!

على أية حالٍ نقول هنا: ما الذي أدخل سرجون وهو من الروم إلى أعلى مناصب أروقة المسلمين؟!

أبو سفيان لديه عدة أبناء، منهم عتبة وهو أبو الوليد الذي كان حاكماً على المدينة، ولديه يزيد ومعاوية.

يزيد ومعاوية أسلما في يوم الفتح مع أباهما أبو سفيان.

يزيد هو الأكبر وهو الذي فتح الشام آنذاك والتي تسمى في العصر الحديث “سوريا وفلسطين والأردن ولبنان” وكانت تعتبر من أكبر الولايات التي تنافس مصر وإن كانت مصر تشكل في ذلك الوقت الرقم الأول في الموارد الزراعية.

يزيد بن أبي سفيان فتح الشام وكعادتهم من يفتح هو من يحكم ويعطى منصب الولاية، كسعد بن أبي وقاص الذي فتح العراق ولذلك عمر بن سعد كان يتمنى حكم العراق لأن أباه من فتح العراق.

بعد أن تولى يزيد حكم الشام عين منصور الرومي النصراني وزيراً للمالية!

ويا عجباً، أخطر وزارات الدولة عادة هي وزارة المالية وهي الوزارة التي كانت تسمى ببيت المال.

مات يزيد وحكم من بعده أخوه معاوية وراثةً، ومات منصور الرومي النصراني وعُين ابنه سرجون كاتباً للسلطة، وسرجون كان من أقران معاوية ولم يكن صغيراً بل كان أكبر من يزيد.

سرجون أصبح كاتبا ونديما في سهرات الخمور والفجور، وقد أنجب ابنا اسمه يوحنا.

ما الذي فعله سرجون وما علاقته بتاريخ كربلاء؟!

1- سرجون كان اليد الأساسية في تثبيت حكم يزيد، لما مات معاوية كان يزيد في رحلة صيد، وقد جاء يزيد إلى دمشق وقد دفن معاوية.

2- سرجون أمر يزيد بأن لا ينزع أي والٍ من الولاة وقال بما مضمونه: إذا أردت ضمان البيعة فعليك بالمدينة أولاً لأنها تعتبر العاصمة الأساسية وإن أردت بيعة المدينة فدونك بيعة الحسين.

3- قال إما أن تحبس الحسين أو تقتله!

قال لماذا أحبسه ؟ أقتله مباشرة، وهنا لفتة مهمة: قال إذا حبست الحسين فإن الناس والوجهاء سوف تطالب بالإفراج عنه وحينما تفرج عنه بالعفو فإن الحسين لن يستطيع أن يقوم لأن العرب ستقول أسره يزيد وعفا عنه وقام ناكراً للجميل!

قتله فيه ضريبة ولكن حبسه أفضل !!

4- عين عبيد الله بن زياد على الرغم من بغض يزيد الشديد لعبيد الله.

5- هو من الذين أشاروا على يزيد بضرب الكعبة.

 

————————————————-

 

المجلس الثاني – القسم الثاني

قراءة في خروج الإمام الحسين (ع) من المدينة

 

يذكر أنه طلب من الإمام الحسين عليه السلام ومن ابن الزبير وابن عمر على بعض الروايات البيعة أو الحضور إلى قصر الإمارة.

الإمام الحسين عليه السلام لم يرفض الطلب وكان رده بالحضور إلى قصر الأمارة.

الوليد طلب من الإمام الحسين البيعة ولكن الإمام قال للوليد أن لا تقبل بالبيعة سرا فقال الوليد بلى، ولكن البيعة جهرا تتعلق بالمسلمين.

وهنا الإمام الحسين أقام الحجة عليهم.

الحسين عليه السلام لما أراد أن يخرج سمع لوم مروان للوليد حينما قال له: والله لئن فارقك الحسين عليه السلام الساعة ولم يبايع لا قدرت منه على مثلها أبداً حتى تكثر القتلى بينكم وبينه، أحبس الرجل فلا يخرج من عندك حتى يبايع أو تضرب عنقه.

فوثب عند ذلك الحسين عليه السلام، وقال: يا ابن الزرقاء أنت تقتلني أو هو؟ كذبت والله وأثمت. وخرج عليه السلام يمشي ومعه مواليه حتى أتى منزله.

الإمام الحسين عليه السلام لم يغلق أمرين ولم يستثني منهما أحدا وهما:

– عرض المشورة.

– عرض وقبول وإبداء النصيحة.

الإمام الحسين عليه السلام كان يحمل قرار لكنه لم يكمم الأفواه للمشورة وفتح الباب إلى الجميع (سمع الجميع) مع أن الإمام أكبر من أن يُنصح.

– فلو قرأنا الحسين عقديّا فهو امام مفترض الطاعة ومعصوم.

– ولو قرأنا من البعد العلمي فهو بأقل تقدير صحابي مجتهد.

– وهو من خاض التجربة السياسية مع أبيه أمير المؤمنين وأخيه الحسن عليهم السلام.

– وهو الخبير اجتماعيا.

– وفي كل الابعاد الحسين لم يكن لحتاج النصيحة ومن نصحه كانوا أصغر منه وأقل منه شأنا.

والعجيب منهم مروان رغم انه من أمر الشمر أن يرمي جنازة الحسن وهو الذي دخل في اغتيال الإمام الحسين! مروان بعد يوم من المشادة الحادة أتى ينصح الإمام الحسين!

أليست هذه قلة حياء هذا إن كان يوجد حياء؟!

ولكن كيف تعامل الحسين معه؟

الحسين أجابه: لماذا تريدني أن أبايع؟

قال: صلاح لدينك ودنياك؟

فاسترجع الحسين وقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، وعلى الاسلام السلام إذ قد بليت الأمة براع مثل يزيد.

الإمام الحسين عليه السلام استطاع أن يقيم الحجة في دقائق معدودة، وهنا نقول إذا لم نكن ذوو وعي فلن نستطيع أن نتعامل مع الخبث السياسي.

عبدالله بن الزبير ماطل في إجابة طلب الوليد، وجلس مع اخوه جعفر ومع مصعب، فماطل حتى انتصف الليل وخرج، وما بزغ الفجر إلا وابن الزبير في مكة.

الإمام الحسين عليه السلام خرج من المدينة وحين خروجه قال له بعض الخواص اسلك بعض الطرق الآمنة والتي لا يصل فيها عنك خبرا إلى بني امية فكان رده بأنه لا يريد أن يخفي خروجه وكان خروج الحسين ليلا.

اذن لماذا خرج بالليل؟!

الحسين أراد أن يخرج ونسوته وبناته ليلا لكي لا يرى ظلا لهاشمية أو علوية وهو عين ما كان يفعله أمير المؤمنين عليه السلام حينما يخرج ابنته السيدة زينب عليها السلام إلى زيارة جدها رسول الله صلى الله عليه وآله.

وهنا نقول للنساء والبنات: انظرن واعتبرن.

الإمام الحسين عليه السلام كتب وثيقتين تعتبران من أهم الوثائق في الثورة المباركة.

الوثيقة الأولى هو أنه طلب قرطاسا وقلما وخط وصيته بخطه الشريف وسلمها أخوه محمد بن الحنفية:

بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أوصى به الحسين بن علي بن أبى طالب إلى أخيه محمد المعروف بابن الحنفية ان الحسين يشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله، جاء بالحق من عند الحق، وأن الجنة والنار حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، وانى لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما وانما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي (ص)، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر ، وأسير بسيرة جدي وأبى على بن أبى طالب فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق ومن رد على هذا أصبر حتى يقضى الله بينى وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين وهذه وصيتي يا أخي إليك وما توفيقي الا بالله عليه توكلت واليه أنيب.

الوثيقة الثانية كتبها وأرسلها بعد خروجه وهي خاصة إلى بني هاشم وهي أقصر بيان ووثيقة في ثورة الإمام “من لحق بنا قد استشهد ومن لم يلحق بنا لم يدرك الفتح“.

هذه الوثيقة تعبر عن أشياء عدة منها أن الحسين في كل بياناته كان صريحا مع الجميع بأنه سيقتل ولكن قال من لم يلحق بنا لم يدرك الفتح وعادة في كل صراع عسكري أو سياسي يكون إما النصر أو الشهادة.

الإمام الحسين عليه السلام أراد أن يرجع البوصلة وكان يريد أن يحصل على غاية حينما يحصل الفتح ألا وهي ما اجاد به الشاعرالكبير الشيخ محسن أبو الحب في ايجاز غاية وهدف الحسين قائلاً:

أعطيت ربي موثقاً لا ينقضي .. إلا بقــتلي فاصعــدي وذريني

إن كان دين محمـد لم يستقم .. إلا بقـتلي يا سيوفُ خُذيني

هذا دمي فلترو صادية الظبى .. منه وهـــــذا للرماح وتــيني

خُذها إليك هدية ترضى بها .. يا ربّ أنت وليها من دونــــــي

المقالة السابقةتغطية صوتية: ليلة ثاني محرم 1440هـ
المقالة القادمةتغطية مصورة: يوم ثاني محرم 1440هـ

اترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا