مجلس ليلة خامس محرم 1440هـ

الخطيب الشيخ حامد عاشور

__________________________________________________

 

المجلس الخامس – القسم الاول

أسماءٌ من تأريخ كربلاء

(الطرماح بن عدي الطائي)

 

اليوم نتحدث عن اسما آخرا من الأسماء المرتبطة بتأريخ كربلاء، واسم هذا اليوم كم كان يتمنى الشهادة بين يدي الإمام الحسين (عليه السلام) إلا أنه لم يحظى بشرفها، عرف بالفصاحة والبلاغة وهو شاعر الطي وشاعر عدي. وله تاريخه قبل كربلاء مع أمير المؤمنين عليه السلام، وعرفه بفروسيته وخبرته لأهل العراق.

من هو الطرماح بن عدي الطائي؟

التاريخ لم يتطرق إلى الطرماح إلا بأوراقٍ قصار، وأبرز ما ذكر عن الطرماح المناظرة التي كانت مورد اهتمام عند أهل العقائد والملل والنحل وخلاصة هذه المناظرة التي ترجمت من اللغة العربية إلى الفارسي قديماً وهي:

بعد حرب الجمل بعث أمير المؤمنين عليه السلام الطرماح إلى معاوية في دمشق فجلس الطرماح في مجلس يزيد في قصره بحضور أهل الشام فقال الطرماح: السلام عليك يا ايها الملك، فقال معاوية: وما منعك أن تقول أمير المؤمنين!

فقال نحن المومنون فمن امّرك علينا؟!

الطرماح بليغ ومعاوية فصيح، فعندما يتكلم معاوية بشيء يرد عليه الطرماح ببلاغته وقد أطال الطرماح المناظرة مع وجود أهل الشام الذين كانوا يحملون تضليلاً إعلاميا.

فحينها اغتاظ معاوية فقال للطرماح: قل ما عندك.

قال: جئتك بكتاب من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.

المحققون والمؤرخون يذكرون لهذه الحادثة دلالات عدة أبرزها:

– ثقة الطرماح عند أمير المؤمنين عليه السلام: فلو لم يكن مورد ثقه لما بعثه الإمام علي (ع).

– شجاعة الطرماح: الثقة شيء والشجاعة شيء فقد يكون هناك شخص ثقة لكنه يحمل الخوف والجبن!

– حكمة الطرماح.

علاقة الطرماح بقضية الإمام الحسين (ع):

مما هو مشهور عند الكثير اشتباهاً أن الطرماح كان مع الإمام الحسين (ع) من مكة، لأنهم ومن دون التفات يتصورون أن حادي النياق هو الطرماح.

نعم هو حدا النياق لكن لا يعني أنه هو الحادي، العرب عندما يسافرون وبالذات إذ كانت لديهم نساء أو عوائل فإنهم يستعينون بالجمال ويأخذون من هو خبير بالهوادج والمحامل ويأخذون الدليل، ويكون معهم من يحدو للنياق سيما مع الكثبان الرملية ووعرات الطريق والأودية والسيول وهذا هو الذي يسمونه الحادي: يحدو النياق.

التقاء الطرماح مع الإمام الحسين عليه السلام لم يكن يتجاوز الأيام القلائل.

والان نتحدث عم الطرماح وعلاقته بالحسين(ع):

1- الإمام الحسين عليه السلام التقى مع الطرماح لأنه كان دليلاً لأربعة ومنهم نافع بن هلال فبعد قتل مسلم وقتل ميتم التمار وقيس بن مصهر الصيداوي كان هناك من يريد الالتحاق ويعد عدته ويخرج لكن الطرق كانت محاصرة، البعض كان يعرف المداخل والمخارج من الكوفة.

الطرماح أخذهم كدليل لالتقائهم مع الإمام الحسين عليه السلام، وعندها أخبر الطرماح الإمام بكل التفاصيل التي جرت في الكوفة.

في قضية قيس: قيس تم القاء القبض عليه من قبل الحصين بن نمير، وقيل لقيس: أمامك خياران، إما أن يفصل رأسك عن جسدك، وإما أن تذهب في جامع الكوفة وتخطب الناس وتحدثهم أنك مبعوث الحسين وأن الحسين يحلكم من بيعته.

قيس قبل هذا الأمر وذهب إلى جامع الكوفة وعندما صعد المنبر حمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله، وأكثر من الترحم على علي وولده صلوات الله عليهم ، ثم لعن عبيدالله بن زياد وأباه ، ولعن عتاة بني أمية عن آخرهم. ثم قال : أيها الناس ، أنا رسول الحسين بن علي عليهما‌ السلام إليكم ، وقد خلفته بموضع كذا وكذا ، فأجيبوه. فأخبر ابن زياد بذلك، فأمر بإلقائه من أعلى القصر، فألقي من هناك.

الطرماح هو من أخبر الإمام الحسين عليه السلام بكل التفاصيل التي جرت في الكوفة.

2- الطرماح قدم عرضاً يعتبر من أفضل العروض من الناحية السياسية: كان هناك جيشان خرجا من الكوفة، الطرماح قال للإمام:أدعوك أن تأتي إلى قبيلتنا قبيلة طي، فكان رد الحسين: جزاك الله خيراً، إني ماضٍ لمن بايعني لأقيم الحجة عليهم.

3- الطرماح مضى مع الإمام الحسين أيام قلائل وكان في تعداد من كان مع الإمام في قضية الالتقاء مع الحر وقضية الوصول إلى كربلاء.

الطرماح استأذن الإمام عند نزوله إلى كربلاء للذهاب إلى أهله من أجلِ أن يموِّنهم ثم يرجع فأذن له الإمام الحسين (ع) فذهب إلى أهله ثم لمَّا رجع وصله خبر استشهاد الإمام (ع) في الطريق وكان وصول الخبر إليه في منطقة عذيب الهجانات.

 

————————————————-

 

المجلس الخامس – القسم الثاني

أليَّ توبةٌ؟!

 

مقدمة نقول: لا يستوحشن أي أحد الحديث عن التوبة فلعل البعض يقول أو ترى الحضور – وحاشاهم – من أهل مجالس الفسق والمعاصي؟!

هذا الأمر خاطئ، فالله عز وجل خاطب المؤمنين في عدة موارد: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ). والمراجع والخطباء دائماً ما يتحدثون عن التوبة.

الحديث حول ثلاث نقاط:

1- التوبة في الرؤية القرآنية وفي الروايات الشريفة لم تضع حدا في معصية سوى ما استثنىاه الله جل جلاله وهو الشرك فلا يوجد عذر ولا مبرر أن فداحة الفعل الحرام التي ارتكبه الإنسان يكون مانعا للتوبة، فدونك ذلك الشاب الذي وصل به الأمر إلى نبش القبور وسرقة الأكفان!!

فكان طعامه ورزقه من سرقة الأكفان حتى نبش قبرا وكان في القبر فتاة شابة لبنت أحد الأنصار فأخرجها وجردها من أكفانها وفعل الحرام بها!!

النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لهذا الشاب قم لا تحرقني بنارك!

لكن عندما تاب هذا الشاب بنية صادقة ألم يقبله الله عز وجل؟!

بلى قبله الله عز وجل.

2- كيف يتعامل المجتمع أي نحن مع التائب؟

تعامل المجتمع مع التائب ينبغي أن يكون مبنياً على الآتي:

– قبول رجوع التائب: فإذا قلنا تائب يعني أننا نقول حبيب الله.

عن الإمام الباقر عليه السلام: والله أفرح بتوبة عبده حين يتوب من ذلك الرجل حين وجد راحلته. عندما نقبل التائب فلن تكون هناك نظرات بانتقاصه او احتقاره.

– احتضان التائب:الاحتضان على الجانب النفسي والمادي والمعنوي.

– اشراك التائب في المجتمع: أن يشرك معنا في المجتمع،

هو في نظر الله عز وجل التائب من الذنب كمن لا ذنب له، وإن لم نشركه سيعيش حالة التحسس من أنه غير مقبول.

3- وكيف يتعامل التائب والمجتمع؟

– على التائب ألا يتحسس من أي نظرف أو تصرف من المجتمع لأن المجتمع فيه الواعي وغير الواعي والعصبي وغير العصبي وغيرهم فإذا كانت التوبة لله خالصة فلن يتحسس هذا التائب من أي شيء.

– أن يبعد عن نفسه مواطن الشبهة والتهم.

هناك بعض التصرفات والأخلاقيات التي اعتاد عليها هي ليست في دائرة الحرمة ولكن توجب التهمة مثل كثرة الجلوس في الطرق والممرات، هذا الأمر مكروه والروايات نهت عن الجلوس في الطرق والممرات ولا يمكن لك أن تنصح في الطرقات، إضافةً إلى أن الناس لها حقوق.

إذاً على التائب أن يرفع مواطن التهمة عنه وأن يجب أعين الناس عن أي تصرف وإن لم يكن حراماً.

إذاً مهما بلغت فداحة الفعل إلا أنه لا يكون سببا في عدم التوبة، وهذا الحر يقول: ألي توبة؟!

الحر قال: اللهمّ إليك تبت فتب عليّ، فلمّا دنا من الحسين عليه السلام صاح:

السلام عليك يا أبا عبد الله السلام عليك يا بن رسول الله،

فأجابه الحسين عليه السلام: وعليك السلام، ارفع رأسك من أنت؟

قال: سيّدي أنا صاحبك الذي حبستك عن الرجوع وسايرتك في الطريق، وجعجعت بك في هذا المكان، أنا الحرّ، والله يا سيّدي ما كنت أظنّ أنّ القوم يبلغون بك إلى ما أرى، وأنا الآن تائب نادم، فهل لي من توبة؟

فقال له الحسين عليه السلام: نعم إن تبت يتوب الله عليك، انزل يغفر الله لك.

وعند شهادة الحر قال الإمام: أنت حرٌّ كما سمّتك أمّك، حرٌّ في الدنيا وسعيد في الآخرة.

المقالة السابقةتغطية صوتية: ليلة خامس محرم 1440هـ
المقالة القادمةتغطية مصورة: يوم خامس محرم 1440هـ

اترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا