مجلس ليلة سادس محرم 1440هـ

الخطيب الشيخ حامد عاشور

__________________________________________________

 

المجلس السادس – القسم الاول

أسماءٌ من تأريخ كربلاء

(جون بن حوّي)

 

سم هذه الليلة هو شيخ كبير، كان في عالم كثير من الأذهان أنه شاب إلا أن التاريخ يؤكد أنه بلغ فوق الستون عاماً، كان وفياً لسيده وكان عالماً لكثرة ما يسمع من الحديث.

بلى قد يكون عبداً ولكنه سيد عظيم هو جون بن حوّي.

من هو جون؟

جون في الأصل كان عند رجل من بني هاشم اسمه الفضل بن العباس بن عبد المطلب، والفضل هو أخ عبدالله بن عباس.

كان جون عبداً عند الفضل فاشتراه أمير المؤمنين عليه السلام ووهبه هبة إلى  أبي ذر الصحابي المقرب للأمير.

عاش جون تحت يدي أبا ذر العالم وصوت الحق الناطق؛ وفي خضم الاضطرابات التي حصلت في أربعينيات القرن الأول والتي خلفت بعض القرارات ومنها صدور قرار نفي أبي ذر إلى منطقة يقال لها الربذة بين مكة والمدينة تم ترحيل أبا ذر قسرا وقهرا.

أبي ذر خيَّر جون بين البقاء في المدينة والرحيل معه فقال جون إني معك في الرخاء وفي الشدة.

هنا وقفة سريعة:

أبا ذر مات وهو في منطقة الربذة وهنا أشكل البعض وقال إذا كان توفي أبا ذر فما الذي جعل جون يبقى على عبوديته عند أمير المؤمنين ولم يكن ارثا لذرية أبي ذر؟

يقال أن أبا ذر أوصى جون عند أمير المؤمنين ويشير بعض المحللين إلى أن أبي ذر كان يريد الخير إلى جون بأن يحظى بشرف خدمة الإمام الحسين عليه السلام.

جون عاش في بيت أمير المؤمنين عليه السلام وعندما استشهد الإمام علي بقى مع الإمام الحسن والإمام الحسين، وكان مع من خرج من مكة إلى أرض العراق وأقل التقادير كان عمر جون ليس أقل من خمسة عشر عاماً.

في ليلة العاشر الإذن من الإمام الحسين عليه السلام لأصحابه كان خاصا وعاماً، كان لآل عقيل ولآل علي ولآل أم البنين وكان للعبيد.

الإذن لجون كان إذناً عظيما من ناحية مادية فغاية العبد في الحياة العتق، جون دخل على الإمام الحسين عليه السلام  وكان الإمام يصلح سيفه، فدخل على الإمام عليه السلام بعد طلب الإذن وقال:

يا بن رسول الله أنا في الرخاء الحسُ قِصاعَكم وفي الشدّة أخذلكم؟! والله إنّ ريحي لنتن، وإن حسبي للئيم، وإن لوني لأسود، فتنفّس عليّ بالجنة فتطيب ريحي ويشرف حسبي ويبيّض وجهي، لا والله لا أفارقكم حتى يختلط هذا الدم الأسود مع دماؤكم.

فأذن له الإمام الحسين عليه السلام.

يذكر المؤرخون أن من خصائص معسكر الإمام الحسين عليه السلام قلة العتاد أي قلة الأسلحة والخيول.

جون لم يكن يملك سيفا ولذلك أخذ سيف أحد الأنصار الذين جزروا.

وهنا خمس إشارات:

1- جون نزل إلى المعركة وهو عاري الصدر واستطاع أن يغوص في وسط معسكر الأعداء وكان جون هو من أطلق العبارة المشهورة والتي نقولها الآن: حب الحسين أجنّني.

إنشاد جون وارتجازه للشعر تعكس عن وجود فصاحة وبلاغة لهذا الرجل.

2- مكان سقوط جون كان بعد موقع سقوط علي الأكبر عليه السلام أي أن مكان سقوطه كان في أواخر منطقة العسكر لذلك كثر الطعن والضرب عليه.

الإمام الحسين عليه السلام لم يكن يذهب للجثث كلها خصوصا أنه كان يخوض المعركة وكان يهدئ من روع النساء، ومن تلك الجثث الذي ذهب إليه الإمام هي جثة جون.

هناك عبارة كانت مكتوبة في جنوب أفريقيا معناها أن الإمام الحسين عليه السلام الأبيض وضع خده على خد جون العبد الأسود وهذه العبارة معناها عميق جدا.

الإمام الحسين عليه السلام عندما وقف على جون قال:

اللهم بّيض وجهه وطيّب ريحه، واحشره مع الأبرار.

3- جون لم يدفن في اليوم الثالث عشر وتؤكد أغلب المصادر أن جثة جون اكتشفت بعد عشرة أيام من قتله (بعضهم قال في اليوم العشرين وبعضهم قال في اليوم الثالث والعشرين من محرم).

وهذه من معاجز كربلاء أن جثة انسان بعد عشرة أيام رائحتها تفوح المسك والعنبر.

4- زيارة الناحية المقدسة لم توثق كل الأسماء الذين قتلوا مع الإمام الحسين عليه السلام ولكن ممن ذكروا في الزيارة أحدهم هو جون (السَّلَامُ عَلَى جَوْنٍ مَوْلَى أَبِي‌ ذَرٍّ الْغِفَارِي)

5- أقرب جثة للإمام الحسين عليه السلام من بين الشهداء هي جثة جوان، نعم هي بين الشهداء وأقرب للشهداء ولكن أقرب جثة من الشهداء للإمام الحسين هو جون.

 

————————————————-

 

المجلس السادس – القسم الثاني

الأمور الماورائية

 

بداية نقول أن مصادر المعرفة عندنا نحن البشر كثيرة منها الحواس مثل النظر والشم والذوق والسمع وهذه كلها في حيز المادية لذلك تعجز الأيدي ويعجز البصر عن الوصول إلى ما خلف الطبيعي فلا يمكن لي أن أعرف ما في قلبك ولا يمكن لك أن تعرف ما في نفسي.

ما وراء المادة ليس الحواس الخمس ولكنها يمكن أن تعكس في ما في قلوبنا ونفوسنا (تنعكس في حواسنا).

علماء النفس يقولون: الإنسان مثلاً عنده سعادة وحزن وفرح وكآبة وهمٌّ وكثير من المشاعر.

هذه كلها تصل إلى درجة معينة فتبرز في هذا الوجه وهذا الجسد المادي فالخوف مثلا يبرز بالارتجاف. ولا يمكن لنا أن نعرف ما خلف المادة أي ما وراء الطبيعة.

وعلى هذا الأساس نتحدث عن مفردتين مهمتين:

– الغيب

– المغيب

وهناك فرق بينهما، فالمغيب موجود ولكن بيننا وبينه مانع أو جهل بالقانون فإذا عرفنا طريقة أو آلية الوصول إليه أو رفعنا جعلنا يكون من مغيب إلى علم ومثال على ذلك:

قانون المناخ عندما يقول لك كم درجة الحراة في يوم غد ومتى ستهطل الأمطار، وكذلك معرفة الموجود في بطن الأم أهو ذكر أم أنثى.

هذا ليس غيبا وإنما مغيب.

وأما الغيب فلا يمكن الوصول إليه بالقانون لا الفيزيائي ولا الطبيعي ولا بأي شيء.

وهناك من يدعي أن هناك أمور فيها كشف للغيب مثل:

1- الاستخارة.

2- الجن.

3- الرؤى والأحلام.

نقول:

1- الاستخارة:

كثير من الأحيان نستخير وتطابق النتيجة مع ما نريد، هذا الأمر ليس كشف للغيب وإنما هو من باب توكلك على الله لا من باب أن الخيرة من أخبرتك.

الثمرة أن تستخير ولكنك تتوهم ويتوهم الكثير أن الخيرة إذا كانت جيدة ستوافق رغبته وإذا كانت غير جيدة يعني لن تمنعه من مكروه أو سوء !!

مثلا: لديك مليون دينار وأردت تجارة مثلا ولديك صفقة إما أن تربح وإما أن تخسر وأنت تعلم أن الخيرة تكون بعد إعمال الفكر والمشورة !

انت استشرت الناس ورأيت بعضهم يقولون نعم عليك بالتجارة والآخر قال لك لا، والقانون في أغلب الأماكن يعمل بالقرعة.

الاستخارة هي قرعة ولكنك تطلب الخير من الله عز وجل

ماذا تقول في الخيرة ؟

أستخير الله خيرة في عافية لعلمه بعاقبة الأمور.

ربما تكون الخيرة جيدا لا يعني أن عاقبة أمرك مليونين بل أكبر !

هل حصرت وجودك كله في هذين المليونين فلعلك عندما تربح المليونين تصبح كحال البخيل، ولعل مصلحتك الخسران وهي باب لخير تجهلك وعاقبة الخير ربما تكون بعد عام أو عامين أو ثلاثة .

2- الجن:

موجود كعالم وأكد عليه القرآن بتفاصيل وهم يعلمون عن طريق السماء ولكن نقول للذين يدعون الاتصال بالجن: هل لديكم معرفة الغيب ؟ كلا ليس عندهم، وهنا إشارات سريعة:

– لا  يوجد عند من يدعي الاتصال شيئا مقنعا بهل أنه متصل مع الجن أم مع أوهامه.

– من يدعي الاتصال نقول له: هل تؤمن أن الجن حالهم كحال الأنبياء والأئمة بأنهم لا يخطؤون ؟ كلا لأن هناك المؤمن والكافر والفاسق واحتمالية الخطأ من الجن واردة.

– نحن نؤمن بعقيدة البداء فعندما يدعي شخص بأن عمرك كذا سنة وكذا شهر وكذا يوم فهذا لا يعني صدقه

فقد أرتكب معصية ويقل عمري وربما أتصدق ويطال عمري.

3- الرؤى والأحلام:

مشكلة الإنسان عندما يمر ببلايا يتشبث بأمور لا تقدم ولا تؤخر خصوصا عندما يمر ببلايا يتشبث بأمور لا تقدم ولا تؤخر سيما عندما يصاب بمصية تضعف نفسه.

اليوم لدينا الجامعيين والمثقفين والعجيب أنك تستغرب منهم وبالذات العنصر السنوي أنهم يؤمنون ببعض هذه الأمور.

كلنا نؤمن والقرآن والشريعة تؤكد أن بعض الرؤوى لها تأويل وبعض الرؤى والأحلام ما هي إلا أضغاث أحلام فلا يمكن لنا أن نرتب أثراً على هذه الرؤى.

نعم هناك رؤى قد تكون صادقة وعاجل الحال كأنك ترى شيئا بالليل مثلا وتراه بوضوح في اليوم التالي ولكن هذا لا يكشف لنا عن علم الغيب لأن الرؤى قد تصدق وقد لا تصدق وكل هذه النماذج لا يمكن لنا أن نرتب أثرا شرعيا عليها.

فلا علم الرمل ولا علم الجفر ولا علم الجن ولا الرؤى وتأويلاتها.

قد تقول أنه سرق منك مبلغا ورأيت في المنام رؤية أو حلما وفتحت كتاب تفسير الأحلام ووجدت في التفسير أن المبلغ مسروق منك ووجدته في موضع ما وأنت من سرقه هو الشخص الذي رأيته في حلمك وأن هذا الحلم هو مطابق تماما مع التفسير !

هذه القضية لا أهلية لها ويجب أن لا يترتب حتى الأثر النفسي مع الشخص الذي رأيته في منامك.

المقالة السابقةتغطية صوتية: ليلة سادس محرم 1440هـ
المقالة القادمةتغطية مصورة: يوم سادس محرم 1440هـ

اترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا