مجلس ليلة الثالث عشر محرم 1440هـ

الخطيب الشيخ حامد عاشور

__________________________________________________

 

المجلس الثالث عشر – القسم الاول

وقفةٌ تاريخيةٌ في دفن الأجساد

 

ثلاثة عشر يوماً، قضيناها بلياليها وعصرها وظهرها وصبحها، كنا نتنفس فيها عبق الحسين عليه السلام

الحسين باب الله الذي يؤتى، ورحمة الله الواسعة،  وباب نجاة الأمة

جمعنا الإمام الحسين عليه السلام وهو الذي يوحدنا

فكم من خلاف يزول ببركة مأتم الحسين عليه السلام

وكم من شقاق لا نرى له أثرا ببركة مأتم الإمام الحسين

نحن لا نرى الكثير منا رغم القرب في المكان ولكن ببركة المأتم نرى النور الذي يجمعنا

تحية لكل السواعد التي خدمت الإمام الحسين (ع)

وهنيئا لكل قطرة من عرق جبينٍ كانت في خدمة الحسين (ع)

تحية لكل قريحة شاعرٍ جادت في الحسين (ع)

وتحية لكل اديب ولكل ريشة فنان رسمت صور فضائع الطف الأليمة

وهنيئا للأصوات التي صدحت من منشدين ورواديد باسم الحسين(ع) وهنيئا للاطمين والمعزين والباذلين والباكين

هنيئا لكل خطيبٍ خدم الإمام الحسين (ع) فرثاه وبكاه وأبكى

وهنيئا لكل دقيقة مضيناها في عبق الحسين وفي حب الحسين

وإلى العفة والحجاب الذي احتفت به النساء والفتيات ببركة الحسين

وإن أردنا أن نعرف هل أن الإمام الحسين قد قبلنا أم لا فلنعرف ما بعد هذه الثلاثة عشر يوما أهي كما كنا فيه أم غيرها!

هل توجد هناك كما وجدت هنا ألفة القلوب وعدم الخلاف والشقاق والحجاب الذي يزين نسوتنا وبناتنا؟!

هنيئا لكل من بذل في سبيل الله باسم الحسين وقتا وعملا ومالا وجسدا وعطاءا

هذا هو الإمام الحسين عليه السلام

 

الحديث يقع في نقطتين:

الأولى عن بنوا أسد والأخرى عن بعض التفاصيل المتعلقة بالرؤوس.

النقطة الأولى (بنوا أسد):

بنوا أسد حازوا شرفا عظيما وهو مواراة أجساد الشهداء وعلى رأسهم الإمام الحسين (ع).

وهنا ملاحظة نقول فيها: لا يوجد إنسان يحظى على شرف شيء إلا وتوجد له مقدماتٌ مطويات وهي مقدمة ما قبل الشرف، ولا يوجد لدينا أن الأمور جرت صدفة لأن بنوا أسد لديهم مقدمات أوصلتهم بأن يحوزوا على شرف مواراة الأجساد وهناك شيء سابق لهم أهّلهم لهذا الشرف لعظيم.

حين تنقب في شجرة العائلة (القبيلة) ترى أن بنوا أسد من أسد الذي هو أحد أحفاد خزيمة.

يعني مضر وسادة لأن خزيمة هو جد من أجداد النبي صلى الله عليه وآله فهم يلتقون مع النبي في جد مشترك بينهم وبينه صلى الله عليه وآله وسلم.

هم قرشيون، حجازيون، مضريون، أي من آل عدنان.

(19 هـ، 36 هـ، 61 هـ)

ركزوا على هذه الأرقام لأننا سنذكرها لاحقاً.

الواقدي أقدم من صنف في غزوات رسول الله صلى الله عليه وآله وبالتالي يعتبر المصدر الأم الموثق في القرن الأول للهجرة، هناك قبائل دعاها النبي لدخول الإسلام، فبدعوة النبي صلى الله عليه وآله أسلمت.

وقبائل قلة دخلت الإسلام من دون كتاب ولا رسالة، منهم بنوا أسد.

دخلوا الإسلام بدون دعوة:

خرجوا رجالات القبيلة وجلسوا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسألوه ما هي دعوته، فأجابهم بدعوته فما كانت تلك الجلسة إلا وأسلموا، وهذا يعكس لنا وجود أرضية مؤهلة لهذه النفوس.

في العام التاسع عشر للهجرة في قبال خلافة الخليفة الثاني عمر بن الخطاب كانوا هم من أبرز أسماء القبائل التي خرجت من الحجاز إلى أرض العراق وقد تفرقت القبيلة إلى شقين:

شقٌ استوطن الكوفة فعرف مكانهم بحي بني أسد.

وقد قلنا سابقا الكوفة مكونة بطريقة الأحياء (القبائل) وبنوا أسد لهم نصيبهم الأساس.

وشقٌ ذهب إلى قرية صغيرة فاستوطنها في العام العشرون للهجرة، وفي هذا العام استوطن جمعٌ من بني أسد تلك القرية التي لم تكن لها مسمى فسميت باسم صاحب الفكرة التي حملها مع أهله واخوته وهو غاضرة من بني أسد ولذلك سميت بالغاضرية.

كان لهم نصيب الأسد في معركة القادسية والرقم المذكور هو ثلاثة آلاف فارس من بني أسد كانوا في هذه المعركة وقد أبلوا بلاء حسناً.

وهذا يعكس أن هذه القبيلة فيها أبطال كثر فالرقم ليس بالشيء البسيط.

في العام السادس والثلاثون للهجرة كانت من أكبر القبائل التي تأتي لتقديم الولاء لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ومن هنا عرفت أنها من القبائل والعشائر الموالية.

في العام الواحد والستون للهجرة كان منهم الكثير ممن قاتل مع الإمام الحسين عليه السلام.

بعضهم يقولون عنه أسدي ولكن العائلة لها بطون وأجيال.

فمثلا ممن ولد من غاضرة يقال له بني غاضرة، فليس من المهم أن يكون أسدي.

ربما يأتي شخص ويقول أن قائمة الأسدي هم معدودين!

ولكن هناك أسديون كثيرون لا يقال عنهم بأنهم أسدي.

فمسلم بن عوسجة مثلاً هو أسدي ولكن لا يقال عنه أسدي.

وكذلك قيس ابن مصهر الصيداوي، فالصيداويون من بني أسد ولكن لا يقال له أسدي في كل تثبيت للاسم.

الأسماء من بني أسد ليست بالرقم القليل.

النقطة الثانية (الرؤوس):

قضية الرؤوس حصل عليها خلاف تاريخي واسعٌ ومشتت ومن هنا نسأل لماذا حصل هذا الخلاف؟!

الخلاف التاريخي في كتب المؤرخين هو طبيعي جداً فهم يختلفون حتى في تسمية الشخص خصوصا أن عملية التدوين لم يكن لها تاريخ مسبق بل أن من جاؤوا بعدهم ابتدأوا من حيث انتهوا ولغتها تختلف باختلاف السنوات.

من أهم الأسباب في الاختلاف حول قضية الرؤوس هي:

اختلاف الرقم في كل موقع

من كربلاء إلى الكوفة كان لها تعداد وفي الكوفة جاءت بعض القبائل تطلب الرؤوس وقد قدمت أموال ووساطات فأخذت البعض منها.

من الكوفة إلى الشام حصلت أحداث كثيرة من ضمنها خطأ عمله زجر حيث أنه مضى على بعض القرى الموالية للامام علي وحصلت مناوشات وخرجوا خصوصا بداية ثورة التوابين، وقد اخذوهم حينها في طرق توصلهم لمناطق يأمن شمر وزجر على انفسهم كمنطقة تكريت والفلوجة وإلى الموصل وما شابه ذلك.

وفي الشام الرقم يختلف لأنها نقصت وقد دفنت مجموعة من الرؤوس بما يقارب (١٧) رأساً ويقال على رأي منها علي الأكبر وحبيب بن مظاهر.

وقد حصل اخراج لبعض الرؤوس من الشام إلى أماكن أخرى.

هناك عدة آراء حول دفن رأس الإمام الحسين عليه السلام منها:

– يوجد رأي يقول أن رأس الإمام دفن في المدينة في مكان لا يُعلم

(عند قبر أمه السيدة فاطمة عليها السلام الذي لا يعرفه أحد).

– ويوجد رأي أنه دفن عند أبيه أمير المؤمنين (ع)

ولكنهم يؤكدون أن رأسه وصل حتما إلى الشام ويستدلون بحادثتين مهمتين:

– صلب الرأس لمدة ثلاثة أيام وقراءة القرآن الكريم من الرأس (الرأس كان يتلو القرآن).

فِي أَثَرٍ أَنَّهُمْ لَمَّا صَلَبُوا رَأْسَهُ سُمِعَ يَقْرَأُ:

﴿ أم حسبتم أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا ﴾ فَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ أَمْرُكَ أَعْجَبُ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ.

– نكث ثنايا الإمام الحسين (ع)

الثنايا هي الأسنان في الفك، بعض الأمور سماعها ليست جيدة فتفاصيلها مؤلمة ولكن نذكر هنا بعض التفاصيل ومن الأفضل أن تُقرأ ولا تُسمع!

النكث: بعض المصادر تقول نكثت بالخيزران وبعض المصادر تقول قضيب!

نكث متواصل ببطء (كان يزيد يحرك شفتي الحسين فينكث إلى أن أوقع ثناياه وقيل كسر ثناياه).

أُرجع الرأس الشريف إلى حيث الجسد، دفن الجسد مؤلم جداً فكيف فتح القبر؟

كيف استطاع الإمام زين العابدين عليه السلام أن يفتح القبر مرة أخرى؟!

هذه التفاصيل مؤلمة جدا.

متى دفنوا الأجساد؟

الرأي الأول لبعض علماء السنة وقد قالوا في اليوم الحادي عشر من المحرم أي في نفس اليوم الذي دفنت فيه قتلى عمر بن سعد.

وبعض محققي الشيعة اعترضوا على هذا الرأي لعدم وجود المستند.

مشهور علماء السنة يقولون أن الجسد دفن ووري الثرى بعد ثلاثة أيام وهذا رأي اغلب المؤرخين.

في الثاني عشر خرج باقي الجيش.

في العاشر والحادي عشر والثاني عشر كانوا يخرجون زرافات زرافات وجماعات جماعات حتى فُكّك المعسكر.

أشهر الروايات تشير إلى أن في الثاني عشر تم اكتشاف الأجساد وقد كان هناك نسوة من بني حي غاضر أي بنوا أسد كعادة القبائل يذهبن يستسقين الماء وهن بالقرب من المسناة.

معنى المسناة: الشق الذي يخرج من الجداول لسهولة أخذ الماء

والعباس عليه السلام وقع قرب المسناة.

ذهبن إلى الحير (وادي الطف) حيث يستسقين ماء للمشرعة!

فعندها رأين أجساد مضرجة صرعى!

الرجال لا تتحمل فكيف النساء؟

وكيف إذا كانت هذه الأجساد بلا رؤوس؟

بل كيف إذا كانت مفصولة عن بعضها وممثلة بها!

هذا السيف قطع وتينه وهذا الرمح في صدره وذاك نشبت فيه السهام!

عندها تفرقن النساء وكل واحدة ذهبت إلى الجسد، فرجعن إلى حي الغاضر وهن يبكين (رجعن بصوت البكاء والعويل).

المقالة السابقةتغطية صوتية: ليلة ثالث عشر محرم 1440هـ
المقالة القادمةشكر وتقدير لكل من ساهم في إنجاح الموسم الحسيني 1440هـ

اترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا